السيرة كم من ألف عام… هل ينفصل السودان مجدداً؟
- لون الحقيقة
يدفع السودان اليوم ثمناً باهظاً لصراعٍ لا يخدم إلا أجنداتٍ بعيدة عن مصلحة المواطن. فالاصطفاف في النزاع الدائر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا ينذر سوى بمزيد من التشريد والدمار، وهو ما يهدد بتحويل هذا الصراع إلى حرب أهلية طويلة الأمد كتلك التي شهدناها في اليمن وليبيا، حيث قُسّمت الدول واستُنزفت مواردها حتى باتت نموذجاً للفوضى والتفكك.
في اليمن، أدت الاصطفافات الحادة إلى استقطاب قوى داخلية وخارجية، مما جعل الحل السياسي بعيد المنال. دخل البلد في دوامة حرب أهلية طاحنة خلّفت ملايين النازحين وأزمات إنسانية تُعد الأكبر في العالم. وبالمثل، انقسمت ليبيا بين حكومات متناحرة وميليشيات مسلحة، مما أدى إلى انهيار مؤسسات الدولة وتعميق الفجوة بين مكوناتها الاجتماعية.
كيف لنا أن ننسى تجربتنا في الحرب الأهلية التي قادت إلى انفصال الجنوب؟ هل ستظل هذه التجربة آخر الأحزان؟ أم أن السودان مهدد بالوقوع مجدداً في مستنقع الانقسام والتفكك؟
إذا استمر السودان في هذا المسار دون اتخاذ موقف شعبي موحد ينبذ الاصطفاف، فسيواجه مصيراً مشابهاً. إن استمرار الحرب سيحول السودان إلى أرض صراع إقليمي بالوكالة، حيث ستجد القوى الإقليمية والدولية في أطراف النزاع أدوات لتنفيذ أجنداتها، مما سيعمّق الأزمة ويزيد من معاناة المواطنين.
دعوات “لا للحرب” التي تخرج من داخل السودان ومن خارجه تحمل الأمل في وقف هذه المأساة. هذه الدعوات ليست مجرد شعارات؛ بل هي نداء لإنقاذ السودان من الكارثة القادمة. إذا استجاب السودانيون لهذه الدعوات ووقفوا متحدين ضد الاصطفاف، يمكن حينها فتح أبواب الحوار الحقيقي الذي يؤدي إلى وقف إطلاق النار وبدء عملية سياسية تضع البلاد على طريق التعافي.
إن الخطوة الأولى تكمن في بناء إجماع وطني عبر جبهة شعبية عريضة يدعم إنهاء القتال فوراً. يجب أن يكون ذلك متبوعاً بمبادرات جادة لإعادة بناء المؤسسات الوطنية التي يمكنها ضمان مستقبل مستدام لجميع السودانيين.
أمام السودانيين خيار تاريخي: إما أن يتحدوا لإنهاء هذه الحرب العبثية أو أن يتركوا البلاد تتهاوى إلى مصير مظلم. ما تحتاجه البلاد اليوم هو خطة وطنية شاملة تعيد بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوداني، وتحقيق العدالة الانتقالية، والعمل على خلق نظام سياسي يعكس تطلعات الشعب.