هيومن رايتس ووتش: “أدلة مرئية” عن انتهاكات وتجاهل “صادم” للكرامة
سلط تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” مزيدا من الضوء على الانتهاكات التي تحدث في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ 15 أبريل من العام الماضي.
وقالت المنظمة في تقرير على موقعها الإلكتروني، الخميس، إن الجيش وقوات الدعم السريع والمسلحين التابعين لها، أعدموا بإجراءات موجزة، أشخاصا أثناء احتجازهم، دون محاكمة، وعذبوهم، وأساءوا معاملتهم، ومثلوا بالجثث.
وأشارت المنظمة إلى أنها حللت 20 مقطع فيديو، وصورة واحدة، لعشر حوادث نُشرت بمنصات التواصل الاجتماعي بين 24 أغسطس 2023 و11 يوليو 2024.
وتُصوّر 8 فيديوهات وصورة واحدة أربع حوادث إعدام خارج القانون، منها إعدامات جماعية لـ 40 شخصا على الأقل.
بينما تُظهر 4 فيديوهات تعذيب وسوء معاملة 18 محتجزا. في حين تُظهر تسعة مقاطع تشويه 8 جثث على الأقل، وفق تقرير “هيومن رايتس ووتش”.
ونوّهت المنظمة إلى أن العديد من المعتدين والضحايا يرتدون ملابس عسكرية، “مما يوحي بأنهم مقاتلين”، مشيرة إلى أن بعض الضحايا يرتدون ملابس مدنية، في حين يظهر المحتجزون وهم غير مسلحين، ولا يشكلون أي تهديد لآسريهم.
وبحسب مراصد حقوقية، فإن “عمليات التمثيل بجثث قتلى المعارك الحالية”، بدأت مع حادثة مقتل والي ولاية غرب دارفور، خميس أبكر، في يونيو الماضي بمدينة الجنينة.
وأظهر مقطع فيديو جثة الوالي القتيل يجرها بعض الأهالي على الأرض وهي موثقة بالحبال، بينما يقذفها آخرون بالحجارة، في حضور مئات من المواطنين، بينهم نساء وأطفال.
وقال باحث السودان في “هيومن رايتس ووتش”، محمد عثمان، “أظهرت الأطراف المتحاربة في السودان تجاهلا صادما للحياة الإنسانية والكرامة، وينبغي محاسبة القادة على عدم منعهم لهذه الجرائم أو معاقبة مرتكبيها”.
وأشارت المنظمة إلى أنها أرسلت في 19 أغسطس ملخصا تفصيليا لنتائجها بالبريد الإلكتروني مصحوبا بأسئلة محددة إلى المتحدث باسم قوات الدعم السريع، المقدم الفاتح قرشي، والمتحدث باسم الجيش، العميد نبيل عبد الله، ولم يرد أي منهما.
ويرى الخبير الاستراتيجي، عبد المنعم الزاكي، أن “الجيش مؤسسة منضبطة” ولن يتورط في “انتهاكات ممنهجة”، مشيرا إلى أن قادته أكدوا كثيرا أنهم لن يسمحوا بأي تصرفات خارج القانون.
وقال الزاكي لموقع الحرة، إن الحرب تلازمها بعض التصرفات الفردية التي تنتج إما من الحماس الزائد، أو من حالة الغبن والاحتقان الشديد.
وأشار إلى أن “قوات الدعم السريع ارتكبت فظائع وانتهاكات فوق كل التصورات”، مما قد يقابله تصرفات فردية من الطرف الآخر، تتضمن انتهاكات، تنطلق من الثأر الشخصي، أو الغبن الذاتي.
ولفت الخبير الاستراتيجي إلى أن ما صدر من انتهاكات من أفراد يرتدون أزياء الجيش، لا يعني بالضرورة أن ذلك يمثل موقف مؤسسة الجيش الرسمية.
وأضاف “كل الانتهاكات المؤثقة منسوبة لقوات الدعم السريع، بما في ذلك تصفية الأسرى والمحتجزين، والاعتقال والتعذيب بشبهة مساندة الجيش”.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أفادت في فبراير الماضي، أن الجيش وقوات الدعم السريع، احتجزا مئات المسلحين، وأن حالة معظمهم ومكان وجودهم مجهولان.
وشكل مجلس الأمن، في أكتوبر 2023، بعثة دولية لتقصي الحقائق في الانتهاكات المتعلقة بالنزاع في جميع أنحاء السودان.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه بالنظر إلى حجم الانتهاكات وندرة التحقيقات الموثوقة من قبل الأطراف نفسها، ينبغي لأعضاء مجلس الأمن تجديد ولاية البعثة في دورة المجلس المتوقعة خلال شهر سبتمبر الجاري.
وبدوره، شكك مستشار قائد قوات الدعم السريع، أيوب نهار، في الاتهامات التي تتهم قواتهم بالتورط في عمليات إعدام وقتل للأسرى والمحتجزين وتمثيل بالجثث.
وقال نهار، لموقع الحرة، إن ظهور أشخاص يرتدون أزياء قوات الدعم السريع، في مقاطع فيديو، توثق لانتهاكات وإعدامات، لا يعني بالضرورة أنهم ينتمون فعلا إلى قوات الدعم السريع.
وأضاف “مع ذلك، نحن نشير إلى أن هناك بعض التعديات التي تحدث كنتاج طبيعي للحرب، ونسعى جاهدين لإيقافها، من خلال لجان تحقيق جادة وفعالة”.
وأشار مستشار قائد قوات الدعم السريع إلى أن أنجح الوسائل وأسرعها لإنهاء الانتهاكات، والتحقيق في الجرائم وتقديم المتورطين للعدالة، يتمثل في إيقاف الحرب، وهو “ما نحرص عليه، ويرفضه قادة الجيش”.
وأكد المتحدث ذاته ترحيب قوات الدعم السريع بأي لجنة تحقيق محلية أو دولية مستقلة، تهدف للتقصي عن الجرائم والتعديات، منوها إلى أنهم سبق أن رحبوا بالتعاون مع اللجنة التي شكلها مجلس الأمن الدولي للتحقيق بالانتهاكات.
ودعت منظمة هيومن رايتس ووتش الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، للعمل معا لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في السودان، بما في ذلك فرض عقوبات فردية محددة الهدف.
وأضافت “ينبغي للبلدان التي تقود محادثات وقف إطلاق النار والوصول الإنساني، أن تعالج انتهاكات الأطراف المتحاربة، وتضمن وجود بند للمراقبة القوية لانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، في أي اتفاق تتوصل إليه”.
ويشير الزاكي إلى أن “الانتهاكات التي تحدث من قوات الدعم السريع لا تحتاج إلى تبيان أو أدلة، لأن من يظهرون في مقاطع الفيديو التي توثق تلك الانتهاكات، يباهون بانتمائهم، ويفاخرون بما يرتكبون من انتهاكات”.
وأضاف “يجد عناصر ميليشيا الدعم السريع الذين يتورطون في الانتهاكات، التأييد من قبل قادة الميليشيا، لأنها لم تقدم أيا منهم إلى محاكمة، على الرغم من ادعائها أنها شكلت لجنة للتحقيق في الانتهاكات”.
وفي المقابل، يرد نهار، بأن قوات الدعم السريع شكلت قوة لحماية المدنيين، وأنها أصدرت قبل يومين توجيهات صارمة لعناصرها، للتقيد بقوات الاشتباك وحماية المدنيين.
وأضاف “نحن لا نتحدث عن فراغ، ولدينا معلومات كاملة عن ضباط الجيش وعناصره المتورطين في قطع رؤوس عدد من الأشخاص في مدينة الأبيض، وفي قرية تاي الله بولاية الجزيرة بوسط السودان”.
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع قدمت بعض المتورطين في الانتهاكات إلى المحاسبة، وأن هناك آخرين في انتظار المحاكمة.
ومنذ أبريل 2023 تدور في السودان حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ”حميدتي”.
واتُهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك القصف العشوائي لمناطق مأهولة بالسكان، خلال النزاع الذي خلف عشرات الآلاف من القتلى، وأدى إلى تشريد أكثر من 10 ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة.
كما اتُهم الطرفان بنهب وعرقلة توزيع المساعدات الإنسانية، فضلا عن تدمير النظام الصحي الهش أصلا.
وتوقفت الغالبية العظمى من العمليات الإنسانية، في حين تغرق البلاد في “واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الحديثة”، وفق الأمم المتحدة.