اعلان ماس فيتالس

عامان من الكارثة: السودان وضرورة إعلان السيادة الإنسانية.. بقلم.. عروة الصادق

منذ الخامس عشر من أبريل 2023، دخل السودان نفقًا مظلمًا لم يعرف له نهاية، حرب طاحنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أخرجت البلاد من مدار الدولة إلى هاوية الكارثة، حرب لا تعرف قواعد ولا تميز بين مقاتل وعابر سبيل، وحولت الأرض إلى مسرح نزيف مفتوح على جراح لا تندمل.

خلال عامين فقط، سقط السودان إلى قاع إحدى أفظع الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
نساء يُغتصبن تحت صمت العالم، أطفال يموتون جوعًا بينما تتراكم خطابات الإدانة في أدراج العواصم الكبرى، حوادث اغتيال وتصفية للمدنيين يندى لها الجبين.
مدن بأكملها — الجنينة، نيالا، الفاشر، مدني، الخرطوم — تحولت إلى أسماء على خرائط الموت والنسيان.
12 مليون إنسان اقتلعوا من ديارهم، خمسون ألف قتيل، ملايين الجوعى والمرضى، وجيل كامل مهدد بالمحو.

السودان اليوم ليس مجرد مأساة محلية، بل مرآة دامغة لفشل المنظومة الدولية في حماية أبسط حقوق الإنسان.
ليس ثمة أدنى مبرر بعد اليوم لاستمرار العجز. الخرطوم، التي كانت يومًا عاصمة للحضارة والتنوع، أصبحت شاهدًا على انهيار المبادئ الأممية التي قامت عليها الأمم المتحدة ذات يوم.

في قلب هذه المأساة، تلتمع بقعة ضوء وحيدة:
– المجتمعات المحلية، غرف الطوارئ، المتطوعون المجهولون، الذين يدفعون بأجسادهم ضد جدار الموت.
– هم من يصنعون الخبز حين تجف الحقول، ينقلون الجرحى حين تغلق المستشفيات، ويكتبون بالدم أن الكرامة لا تموت حتى في أفظع اللحظات.

– لكن، مهما بلغت عظمتهم، لا يستطيعون وحدهم إنقاذ وطن مهدد بالإفناء المنهجي.
الخذلان الدولي اليوم ليس مجرد قصور، إنه تواطؤ صامت.

حين تجمّد الولايات المتحدة مساعداتها بذريعة المخاوف السياسية، وحين تتحول المعونة إلى سلاح عقابي، يصبح العالم شريكًا في الجريمة، لا مراقبًا لها.
لقد تحوّل الإنسان السوداني إلى رهينة في معادلات المصالح الدولية، رهينة بين مطرقة النزاع ومقصلة الانتهازية الجيوسياسية.

ومع كل تأخير في إيصال الإغاثة، مع كل تواطؤ في عرقلة المساعدات، مع كل مهادنة للقتلة، يُرتكب جرم جديد في حق الإنسانية، جرم لا يُغسله بيان إدانة ولا مؤتمر إنساني.

لهذا، لا بد أن نعيد طرح القضية على أسس جديدة.
لا نحتاج إلى مزيد من البيانات.
لا نحتاج إلى شعارات الرحمة.
نحتاج إلى تأسيس مبدأ جديد يحكم العمل الدولي: السيادة الإنسانية.

السيادة الإنسانية تعني أن كرامة الإنسان يجب أن تعلو على سيادة الدول حين ترتكب بحق شعوبها المجازر.
تعني أن طفلًا جائعًا يجب أن يكون أهم من معادلات التحالفات، وأمًا مغتصبة أهم من توازنات القوى، ونازحًا جائعًا أهم من خرائط المصالح.

إننا بحاجة إلى:

– ميثاق دولي للسيادة الإنسانية، يُلزم الأمم المتحدة بتجاوز شلل الفيتو أمام الكوارث.

– تحالف عالمي جديد لدعم المبادرات الشعبية مباشرة، مثل غرف الطوارئ السودانية، بآليات شفافة ومستقلة.

– تجريم تعطيل الإغاثة وتجويع المدنيين، باعتبارهما جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.

– إقامة ممرات إنسانية محمية دوليًا بضمانات ملزمة، لا اتفاقات هشة تنهار عند أول اختبار.

السودان اليوم ليس مجرد وطن ينزف، بل جرس إنذار لبقية البشرية.
إن أخفقنا هنا، سندفع الثمن في أماكن أخرى.
وإن صمتنا اليوم، فلن تكون هناك شرعية لأي حديث عن القيم الإنسانية غدًا.

عامان من الصمت قد مضيا.
يكفي.

ختاما: حان وقت أن ننحاز بلا مواربة:
إلى الضحايا لا إلى القتلة،
إلى الكرامة لا إلى المصالح،
إلى السيادة الإنسانية فوق كل السيادات الزائفة.

السودان يصرخ…
ليس ليستجدي الشفقة، بل ليذكّرنا بأن إنسانيتنا نفسها على المحك.
فهل نصغي هذه المرة، أم نسقط جميعًا في هاوية لا قاع لها؟

لنمضي #نحو_الغد

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.