
إعمار السودان .. (127) مليار دولار حجم خسائر القطاعات المختلفة
وصف مراقبون ومختصون سودانيون عمليه اعادة الاعمار فى السودان بالعملية الصعبة خلال المرحلة المقبلة فى وقت شكلت فيه الحكومة لجنة مختصة للنظر فى اعمار ما دمرته الحرب، كما أعلنت وزارة الخارجية المصرية ا عن التوافق لتشكيل فريق عمل مشترك بين البلدين لتنفيذ مشاريع إعمار السودان.
وقدرت أوساط إقتصادية ومختصين ورسميين خسائر السودان من الحرب التى اندلعت فى ابريل من العام 2023م بحوالى 127 مليار دولار كما أكدت فيه وزارة الخارجية السودانية ان الرقم قابل للزيادة وفقا لمعطيات الواقع عقب استباب الامن بصورة كاملة فى ربوع البلاد .
واكدت على اهمية اعطاء مشروعات المياه والكهرباء والبنى التحتية اولوية فى عمليات الاعمار، وقال وزير المالية فى تصريح صحفى ان هنالك تواصل مع السعودية بشأن إعادة إعمار مطار الخرطوم الدولى وتأهيل بنيات الكهرباء والمياه.
وقدّر مركز”التكامل السودانى المصري” (مؤسسة سودانية مقرها القاهرة) حجم خسائر القطاعات المختلفة من الحرب بنحو 127 مليار دولار، وتشمل تلك القيمة نحو 90 مليار دولار خسائر القطاعات الإنتاجية من الزراعة والصناعة والنفط والكهرباء، و3 مليارات دولار خسائر قطاع الطيران المدني، و10 مليارات دولار في قطاعي الصحة والمياه، و15 مليار دولار خسائر قطاع السياحة، إضافة إلى 10 مليارات دولار خسائر المواطنين الخاصة.
يقول اقتصاديون ان عملية اعادة الاعمار ليست بالسهلة بل تتطلب خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الاجل باعتماد اولويات البنى التحتية التى تاثرت لخلق استقرار تشمل الخدمات الاساسية الكهرباء والمياه والصحة ويرى اخرون ان اعادة الاعمار لها مساران الاول هو الاعتماد علي الذات اضافة لدعم محدود من الدول الصديقة. اما التيار الثالث من الخبراء يقول أن الاعتماد على العالم الخارجي غير مجدٍ، مستبعدا مساعدة المجتمع الدولي للشعب السوداني في إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
واتفقت مصر والسودان على تشكيل “فريق مشترك لدراسة خطة إعادة الإعمار والتجارب الدولية لتحقيقها”، خلال مشاورات سياسية، جمعت وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره السوداني علي يوسف الشريف، في القاهرة نهاية فبراير الماضي.
وصاغ مركز التكامل السوداني- المصري خطة بأولويات القطاعات التي تتطلب إعادة إعمار حاليا في السودان، أعلن عنها خلال فعالية عقدها بالعاصمة المصرية، أشار فيها إلى بدء شركات مصرية تنفيذ بعض الأعمال حاليا من بينها تأهيل بعض الكباري في الخرطوم.
وتقترح الخطة بدء جهود إعادة الإعمار، من خلال التوسع في الاستثمارات الزراعية بالسودان، لإعادة تشغيل القطاع الزراعي، بما يضمن ملايين الوظائف للسودانيين ، ودعت إلى منح الأولوية للمساهمات المصرية في هذا القطاع، وحدد المركز 6 قطاعات كأولوية لعمليات إعادة الإعمار، تشمل البنية التحتية والنقل والطرق والمواني، والاتصالات، والخدمات الصحية، والتعليم، والكهرباء، ومياه الشرب .
3 مليارات دولار خسائر منشات مطار الخرطوم الدولى :
وبثت سلطة الطيران المدنى فيديوهات تبين الدمار الذى لحق بمنشات مطار الخرطوم المختلفة وقررت تشكيل لجنة فنية متخصصة لتقييم الأضرار ووضع تصور شامل لعملية إعادة التأهيل وأشار ابراهيم عدلان المدير الاسبق لسلطة الطيران المدنى إلى أن سلطات الطيران المدني كانت قد وقعت بوليصة تأمين مع شركة “لليود” البريطانية بالتعاون مع شركة شيكان والتى تغطى اصول الملاحة الجوية بالمطار وابدى امله فى ان تلتزم شركات التامين بتعويض الخسائر.
وفقا لتقديرات المدير الأسبق لسلطة الطيران المدني، فإن حجم خسائر مطار الخرطوم الناتجة عن الحرب بلغ حوالي 3 مليارات دولار، تشمل 500 مليون دولار اضرار باصول الملاحة الجوية و300 مليون دولار خسائر عدم التشغيل خلال عامين و5 ملايين تكاليف تشغيل سنوية و600 مليون دولار اضرار مباشرة بالمطار و250 مليون اضرار بالاصول الثابتة و750 مليون دولار قيمة الاضرار بالمبانى الرئيسية والمرافق الاخرى و400 مليون خسائر تشغيلية بسبب التوقف.
وأكد وزير المالية جبريل إبراهيم أن السودان تقدم بطلب دعم للمملكة العربية السعودية بغرض المساهمة في إعادة تشغيل المطار خلال زيارة لوفد سعودي الى بورتسودان ضم ممثلين لوزارة الخارجية وصندوق التنمية السعودي ومركز الملك سلمان للاغاثة حيث ناقش الجانبان احتياجات السودان العاجلة في قطاع النقل الجوي والبنية التحتية.
البلاد تفقد 210 الف برميل نفط وتعاون سودانى الماني لتعويض الخسائر:
قطاع النفط تعرض الى تدمير متاثرا بالحرب السودانية حيث قال وزير النفط محي الدين نعيم محمد سعيد إن البلاد فقدت حوالي 210 الاف برميل من الخام نتيجة تخريب مستودع الخام بمصفاة الخرطوم وتدمير منشآت أخرى منها مستودعي البنزين والغاز التي كانت مليئة بالمنتجات البترولية، وقدر الوزير حجم الدمار الذي لحق بقطاع الطاقة والنفط ب 5 مليارات دولار، اضافة الى خسائر مصفاة الخرطوم للنفط التى تبلغ 4 مليارات دولار، موضحا أن الأضرار شملت المنشات النفطية ومحطات الكهرباء وفقدان الخام النفطي والمنتجات البترولية المحفوظة في المستودعات الاستراتيجية من إنتاج مصفاة الخرطوم.
ويقول الوزير ان هنالك امكانية للتعاون مع المجموعة الالمانية للخدمات والاستشارات فى قطاعى النفط والكهرباء ووجود فرص للاستثمار فى مربعات نفطية بالبحر الاحمر داخل المياه الاقليمية ومربعات بولاية الجزيرة بجانب مشروع مصفاة بورتسودان اضافة الى تاهيل قطاع الكهرباء فى عدد من المحطات، واضاف سنعمل على تنظيم ملتقى الاستثمار السوداني الألماني خلال الفترة المقبلة لتحديد اولويات تاهيل القطاع النفطي والكهرباء.
وتاثرت البنية التحتية للاتصالات باضرار كبيرة لحقت بتوصيلات وكيبلات الاتصالات بالاضافة الى الابراج حيث قال المهندس الصادق جمال الدين ان التخريب طال كل الشبكات والابراج جراء هجمات المليشيات وان الخسائر الاولية تقدر باكثر من 1.5 مليار دولار، سنعمل على اعادة تاهيل القطاع باعتبار ان القطاع يلعب دورا اساسيا فى دعم الشمول المالى وتعزيز الدفع الالكتروني.
تدمير ممنهج للقطاع الصحى ..مناشدات لاعادة المشافى المرجعية :
ولم يسلم القطاع الصحى فى السودان من الدمار حيث شهد عمليات تدمير ممنهج للمستشفيات والمراكز الصحية والصدليات فى الخرطوم والولايات التى شهدت نزاعا ما اثر على تقديم الخدمات العلاجية وتوقفت كثير من برامج تطعيم الأطفال في الولايات التي امتدت إليها رقعة الحرب، اعاق جهود التقصي والمتابعة لمختلف الأمراض والأوبئة، فارتفعت مستويات سوء التغذية الاونة الأخيرة ، فضلا عن خروج 70 في المئة من مستشفيات الخرطوم عن الخدمة، وتأثر نحو 30 في المئة من المؤسسات الطبية بشكل كلي أو جزئي في الولايات التي شهدت نزاعا مسلحا وتعرض المعامل والأجهزة للتخريب والتدمير والسلب والنهب.
وقدر وزير الصحة هيثم محمد إبراهيم حجم الدمار والتخريب في القطاع الصحي بـ11 مليار دولار، وأشار إلى أن 75 في المئة من المستشفيات تعرضت للتخريب كما أن هناك بعض المستشفيات في إقليم دارفور وولاية الجزيرة تدمرت كليا، ووجه وزير الصحة نداء لتأهيل وإعمار 25 في المئة من مستشفيات البلاد تشمل المشافي المرجعية الأساس التي تضم تخصصات زرع الكلى والرنين المغناطيسي والأورام.
50 مليار دولار خسائر القطاع الصناعي :
ورغم جهود الصناعيين البدء فى حصر الاضرار التى لحقت بالقطاع الصناعى الا ان التقديرات الاولية تشير الى الاثر الكبير الذى لحق بالبنية التحتية للصناعات القائمة واعمال النهب والسرقة التى طالت معظم المنشات والماكينات، حيث يرى مختصون ان اعادة تاهيل القطاع يحتاج تدخلات من خلال تيسير المعاملات المالية والقروض والدعم اضافة الى سن قوانين وسياسات جديدة تدفع الى القطاع عافيته، ويقول محمد الزين بابكر عضو الغرف الصناعية ان الدمار لحق باكثر من 500 مصنع وشرد حوالى 300 الف عامل ، فى حين يرى السفير عبد المنعم محمد محمود الامين العام للاتحاد العربي لتنمية الصادرات الصناعية بجامعة الدول العربية ان تقديرات خسائر القطاع الصناعى السوداني حوالي 50 مليار دولار.
تدمير 65 % من القطاع الزراعي فى السودان :
وكغيره من القطاع تاثرت العملية الزراعية فى السودان حيث يرى مسؤولون حكوميون ان الدولة تعمل على تقييم كل الخسائر التى لحقت بالقطاع، يقول وزير الزراعة أبو بكر البشرى بالتاكيد حدثت خسائر وكانت كبيرة جدا بولاية الجزيرة كما تاثرت الصادرات الزراعية خاصة من الولايات الغربية ، تعطل الانتاج فى كثير من المشروعات ، اجزاء واسعة من الاراضي الزراعية تاثرت بالقتال ولم يتمكن الالف المزارعين من الحصاد بسبب انعدام الامن وقلة التمويل.
وبحسب مسؤول في غرفة الصمغ العربي، فإن صادرات الصمغ تقلصت من 120 ألف طن سنويا إلى أقل من 40 ألف طن، كما توقفت الشركات خوفا على رؤوس الأموال، في وقت يعاني فيه المزارعين من كساد المحصول بعد الإحجام عن الشراء ، وبحسب تقديرات لمختصين في الشأن الاقتصادي فقد تم تدمير 65% من قطاع الزراعة في السودان. حيث تم نهب مدخلات الانتاج عقب دخول مليشيا الدعم السريع ولاية الجزيرة واتلفت المبيدات ونهبت الحاصدات ومهاجمة القرى ما اعاق قدرة المزارعين على الزراعة اضافة الى تلفت قنوات الرى وتجفيفها، وفي ولايات دارفور وجنوب كردفان وولاية الخرطوم وغيرها، تأثرت مساحات زراعية واسعة، وتعطل تبعا لذلك 70% من إنتاج الصمغ والقطن وغيرهما من المنتجات.
خروج محطات المياه عن الخدمة وتدمير الكوابل :
محطات المياه لم تسلم من التخريب ادى الى خروجها عن الخدمة وساهم انقطاع الكهرباء عقب استهداف المليشيات لسد مروى من تفاقم الازمة خاصة محطة مياه المنارة التى تغطى اجزاء واسعة من ولاية الخرطوم، كما تعرضت محطة مياه الخرطوم بحري التى تعتبر واحدة من اكبر محطات المياه فى الولاية لعمليات تخريب ممنهجة وسرقة واسعة النطاق من قبل مليشيات الدعم السريع، مما أدى إلى توقف المحطة عن العمل بشكل كامل. فى حين تعرضت محطة مياه سوبا ومحطة مياه المقرن لبعض الأضرار، شملت سرقة كابلات وتلف جزئي في مولد الكهرباء واتلاف نصف معدات المعمل،إلى جانب سرقة أجهزة الحاسوب، هيئة مياه الخرطوم قالت فى بيان أن التخريب شمل تدميرا شاملا لوحدات الكلور وحقن الكلور إضافة إلى تدمير الكوابل بغرض سرقة النحاس، وتخريب مضخات المياه ومواسير النقل وسرقة مفاتيح الكهرباء وتدمير معمل ضبط جودة المياه، فضلا عن تفريغ براميل البولي ألمنيوم كلورايد، وتخريب الموتورات وسرقة الكوابل. وتدمير مبنى الاسكادا وسرقة نظام التحكم وإتلاف أجهزة الحواسيب، بالإضافة إلى حفر الجدران لسرقة الكوابل ومفاتيح الكهرباء، وحرق المباني الإدارية والفنية، وسرقة وإتلاف العربات والآليات ومولدات الكهرباء.
مدير هيئة المياه محمد علي العجب قال أن إعادة تأهيل المحطة تتطلب جهودا ودعما ماليا كبيرا وطالب بإرسال فريق هندسي وفني لتقييم الأضرار والخسائر الكبيرة، واشار الى البدء في تنفيذ خطة إسعافية تتضمن حفر وتشغيل ابار في محلية بحري، بهدف محاولة تغطية العجز في إمدادات المياه للمواطنين تمهيدا لعودتهم إلى منازلهم.
اقتصاديون : اعادة الاعمار ليست بالعملية السهلة..
اقتصاديون قالوا ان اعادة الاعمار ليست بالعملية السهلة بل تتطلب وقتا طويلا عبر مراحل متعددة حيث يرى الاقتصادي محمد الناير ان الدولة وضعت خطط لاعادة الاعمار ولكن يجب مراعاة ان تكون قصيرة ومتوسطة وبعيدة الاجل بالتركيز على الخدمات الاساسية للمواطنيين مثل الكهرباء والمياه وقطاع الصحة والتعليم وتحقيق الامن ليعود المواطن بجانب قضية الكبارى والطرق التى تحتاج من الدولة العمل على جذب راس المال الوطنى من خارج السودان، هذا بالتاكيد يحتاج الى حوافز تشجيعية تجنبا لاخطاء الماضي ، الامر يتطلب تجاوز الاخطاء الموجودة فى الشراكة بين القطاعين العام والخاص بالتالى تفعيل القانون يؤثر على قضية التمويل التى لابد ان تكون عبر قانون “البوت” بان تكون هنالك شفافية فى طرح المشروعات خاصة مطار الخرطوم وقطاع الكهرباء والكبارى والموانئ البحرية، واضاف اهم من ذلك الشفافية ونزاهة رسو العطاءات ليساعد فى تنفيذ المشروعات.
اما الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان يقول ان اعادة الاعمار لها مساران الاول هو الاعتماد على الذات اضافة الى الدعم المحدود من الدول الصديقة وهو مسار يمكنه اعادة ترميم المبانى والشوارع وتشغيل المؤسسات الخدمية وفق الحد الادنى. اما المسار الثانى هو عقد مؤتمر لاعادة اعمار البلاد الذى يجب ان ترعاه الدولة وهذا يتطلب تحقيق السلام بشكل كامل مع مراعاة اشراك القوى السياسية السودانية، واعتبر ان تقدير الخسائر يتم تصحيحه كلما تقدم الجيش واستعاد اراضى جديدة من قبضة المليشيات.
ولكن المحلل الاقتصادى كمال كرار يقول ان الاعتماد على العالم الخراجى امر غير مجد واستبعد مساعدة المجتمع الدولى للسودان فى اعادة ما دمرته الحرب باعتبار ان السودان لديه تجارب سابقة فى هذا المجال واستبعد أن تغطي شركات التأمين التكاليف وقال إن شركات التأمين تغطي الحوادث الفجائية، لكنها لاتغطي أي دمار أو تلف بسبب الحرب وأوضح أن المشكلة في التدمير الذي تتعرض له المنشآت المدنية، باعتبارها مؤسسات الشعب ومن ماله وهي مؤسسات ليس لها علاقة بالثكنات العسكرية ولا التسليح ولا التجييش، وقال حينما تكون هذه المنشآت هدفا تصبح تكاليف الحرب أكبر مما يجب وتصبح فوق قدرة الشعب والدولة السودانية في إعادة تأهيل هذه المنشآت.