
هل ستعود البنوك السودانية الى العمل في الخرطوم ؟
توقع مصرفيون ان يعود بنك السودان المركزى والبنوك التجارية للعمل من المقر الرئيس فى الخرطوم فى غضون شهرين الى ثلاثة اشهر من خلال عملية اعادة التاهيل للمحافظة على العملاء والسير نحو خطوات متقدمة مع اتباع سياسات مرنة فى مسالة التمويل سواء للمؤسسات او الافراد، مع وضع صيغ مقبولة تعيد للمنتجين جزءا من خسائرهم، واكدوا ان البنوك تحتاج إلى إعادة إعمار للبنية التحتية وبذل مجهود ضخم لاستعادة ثقة المتعاملين لتقديم خدمات مصرفية امنة وحديثة وتوفير التمويل اللازم لتعويض خسائر الأفراد والمؤسسات، فضلا عن إعادة هيكلة شاملة تواكب التحديات الكبيرة لتمويل المشاريع التنموية والمرافق العامة والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات التي دمرتها الحرب.
وتعرضت المؤسسات الوطنية السودانية الواقعة في وسط العاصمة للنهب على أيدي عناصر قوات الدعم السريع في بداية الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023
ويقول مصدر مصرفي مطلع ببنك السودان المركزى ان بنك السودان المركزى وضع خطط جديدة للعودة الى نشاطه فى الخرطوم تتمثل فى اعادة وتاهيل المبني الرئيس الذى تدمر تماما، واكد انخفاض الاحتياطات الموجودة في بنك السودان المركزي لدعم العملة المحلية التي تشهد تراجعا مستمرا، إضافة إلى الارتفاع المستمر في معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية، وقال من ضمن الخطط ان يشجع بنك السودان المركزي عملية ضخ رؤوس أموال جديدة في المصارف لتحسين كفاية رأس المال وقدرته علي إمتصاص الخسائر الا ان لم يشر الى مزاولة البنك مهامه الرسمية من موقعه الرئيس فى الخرطوم .
وفى وقت سابق اصدر البنك المركزى ضوابط جديدة لمعالجة خسائر الحرب تضمنت منح فترة سماح لمعالجة خسائر نهب خزن المصارف، تتراوح بين ثمان لعشر سنوات، مع منح الحاصلين على تمويل فترة سماح (18) شهر تبدأ من يوم 15 ابريل، وقال البنك ان الضوابط تاتى فى اطار مساعيه لتخفيف اثار الحرب والتعامل مع افرازاتها بصورة تمكن من ضمان استمرارية الجهاز المصرفي فى تقديم خدماته وتحقيق الاستقرار النقدى والمالى والمساهمة بفاعلية فى تحقيق التنمية المتوازنة ومراعاة تاثيرات الحرب الكبيرة على كل المساهمين ، العملاء والمتعاملين مع الجهاز المصرفي بهدف خلـق ظـروف بيئية مناسـبة تسـمح بإســتمرار النشـاط المصـرفي،وقال ان هنالك مساعى لمعالجة الخسائر النقدية والأصول الأخرى وجدولـة إطفـاء خسـائر الحـرب خـلال فتـرة أقصـاها 10 سـنوات،واضاف يسـمح بجدولة إطــفـاء الخـســـائر الناتجــة عـن نهب وسـرقة النقديـة بالخزن خـــلال فترة أقصاها 8 سنوات، ويسـمح بجدولة إطفــاء الخسـائر الناتجة عـن تدمير الأصـول والأنظمـة خـلال فترة أقصاها 10 سنوات وتمديد اجال معالجة التعثر وخسائر التمويل.
الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان يقول ان عودة البنك المركزي والبنوك العمل من الخرطوم لن تكون قريبة، لأن الامر مرتبط باستكمال تامين ولاية الخرطوم واعادة تعمير البنية التحتية للولاية بما يضمن التواصل الجيد للبنك المركزي مع المصارف التجارية السودانية وايضا مع المصارف الإقليمية والدولية ويضمن استقرار العاملين، وهذه امور ترتبط بعودة المواطنين الي ولاية الخرطوم ووجود الخدمات الحكومية.
واضاف الفاتح بما ان حجم الدمار الذي لحق بمبني البنك المركزي لا زال غير محدد بالضبط اذ ان بنك السودان سيكلف جهات مختصة بمعاينة المبني وتحديد حجم الاضرار ومعرفة المطلوب لاعادته للعمل مرة أخرى فانه من السابق لاوانه تحديد مواعيد لعودة البنك المركزي لمقره في الخرطوم.
اما المحلل الاقتصادي هيثم فتحي يري ان اعادة نشاط البنك المركزى يعد مثله والمنشات الاقتصادية الاخرى التى تقع في الخرطوم، يحتاج الى اعادة تاهيل حيث ان تقدم الجيش السودانى بتحرير البنك المركزى يعنى ان هنالك خطوات قليلة لعودة الحياة الى العاصمة الخرطوم وتبشر بعودة جميع المصارف السودانية وجميع الوحدات الحكومية الاقتصادية الى مزاولة نشاطها وعملها من مواقعها الرئيسة، رغم ان هذه الوحدات ظلت تمارس عملها الطبيعى حينما انتلقت الى مدينة بورتسودان وتعمل بكل فاعلية وكفاءة، لذلك فان عودتها تحتاج الى كثير من المعينات الامنية والعسكرية والسياسية، والاهم من ذلك هو توفير الخدمات وسط الخرطوم التى تحتاج الى اعادة الحياة فيها، فى تقديرى اعادة الحياة ستاخد ايام ليست بالقليلة ومدة ليست بالقصيرة حتى يعود الاستقرار الامنى وحتى تزاول الوحدات الحكومية اعمالها، لذلك لابد من خطة من البنك المركزى لكيفية العودة الى مقره الرئيسي وحصر الدمار والنواقص وكيفية عودة العمل الى سابق عهده، اذ هنالك فرصة لتحسين عمل البنك المركزى وفرص استخدام للتقنية الحديثة حتى يكون يكون بنك السودان المركزى مثله مثل كثير من البنوك المركزية فى المنطقة ويعمل على تمكين الصيرفة الالكترونية ووسائل الدفع الالكترونى وزيادة الشمول المالى وصولا الى عمل البنوك السودانية كمثيلاتها فى المنطقة ليساهم بذلك البنك المركزى فى اعادة الاعمار المرتقب.
وواجهت البنوك السودانية تحديات كبيرة بسبب ماتعرضت له من اعمال نهب وسرقة وتدمير خلال الحرب منذ منتصف ابريل من العام 2023م فضلا عن تاكل موجوداتها التى قدرها البنك المركزى بحوالى 45 ترليون جنيه سوداني بعدما فقدت العملة المحلية نحو 400 % من قيمتها خلال الفترة الاخيرة حيث يتم تداول الدولار الواحد بنحو 2600 جنيه مقارنة ب00 جنيه قبل اندلاع الحرب.
وقال بنك السودان المركزى فى بيان سابق ان الحرب عملت على توقف 70 % من فروع البنوك في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية أو توترا أمنيا، في حين يزاول حاليا نحو 427 فرعا في الولايات الامنة أعمالها.
ويضم قطاع البنوك السوداني 38 بنكا (16 سودانيا و22 مختلطا) لديها 833 فرعا و77 نافذة و73 مكتبا للتوكيل، ويوجد في مدن العاصمة المثلثة، الخرطوم وأم درمان وبحري، 435 فرعا تمثل 49 في المئة من عدد الفروع في البلاد.
ويقول مختصون فى الشان الاقتصادي ان الحرب اثرت بصورة كبيرة على الانتاج اذ تقلص الناتج المحلى الاجمالى الى اكثر من 70 %، بجانب التراجع الكبير فى الصادرات السودانية ما ادى الى انخفاض الاحتياطات الموجودة فى بنك السودان المركزى لدعم العملة المحلية، اضافة الى فقد عدد كبير من المواطنيين اعمالهم اسهم فى تراجع عملية التعامل مع الجهازالمصرفي ، كما ان حوالى 80 % من الكتلة النقدية كانت خارج الجهاز المصرفي قبل الحرب وتراجعت الى ادنى مستوياتها عقب اندلاع الحرب ما اثر على عمل الجهاز المصرفي.
ويرى الخبير المصرفي محمد بابكر ان تعافى القطاع المصرفي يعتمد على التعافي الاقتصادي وعلى معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد وعلى النشاط الاقتصادي وقدرته على استقطاب الاستثمارات وتوليد وظائف جديدة وتحقيق معدلات جيدة من الاستقرار متمثلة في النمو الإيجابي المستدام والسيطرة على معدلات التضخم، فضلا عن توافر الطاقة الإنتاجية بنسبة معتبرة، إضافة إلى التوازن الخارجي المرتبط بميزان المدفوعات.
ولكن اسماعيل التوم مصرفي سابق يقول ان البنوك السودانية تاثرت فعلا بالحرب بصورة مباشرة، من خلال نهب الخزائن وسرقة الاصول من معدات واجهزة وسيارات، إضافة إلى مقتنيات العملاء من ذهب وحلي، كما شمل التخريب والنهب أجهزة وخادمات بيانات العملاء وضياع الملفات وغيرها من المستندات.
ويقول ان البنك المركزى مطالب خلال الفترة القادمة اتباع سياسات تجذب ودائع العملاء وتعثر سداد التمويل وشح أو شبه انعدام السيولة، اما على النطاق الأوسع فقد توقفت اهم الخدمات المصرفية وهي تطبيقات الدفع الإلكتروني بين البنوك، اضافة الى اعادة الثقة التى فقدت في الاحتفاظ بودائع لدى البنوك واللجوء لبدائل أخرى مثل شراء العملات الأجنبية والبحث عن فرص ايداع أو استثمار خارج البلاد.
وقبل نحو شهرين فتح بنك السودان المركزى نافذة فى مدينة امدرمان لمساعدة البنوك فى عمليات السحب والايداع ،اعتبرها خطوة اولى لعملاء الجهاز المصرفى للجوء اليه فى حال ورود شكوى ضد اى مصرف او مؤسسة مالية، اضافة الى مباشرة مهامه للتاكد من مدى التزام المصارف بمبادى حماية المستهلك المالى عبر التفتيش المكتبى والميدانى.