
اثر عبدالله محمد خير في مسيرة الراحل صديق احمد
بقلم :ابراهيم سالكا
جاهو العيد كمان زاد القليب حسرة
سادي العبرة حلقو ونفسو منكسرة
في قلب السودان حيث النيل يلتف كذراع حاني يحتضن الأرض في بقعة مباركة سميت منحني النيل في جوفها الف حكاية يرويها التاريخ ويشهد عليها آلهة وكهنه تزين صورهم ومنحوتاتهم الجبال والكهوف بقعة ظلت طوال تاريخها الباذخ مصدر للفن والجمال والحكم والسياسة ولان رحمها ولود ودود ظل هذا العطاء متصل علي امتداد التاريخ جيل بعد جيل وفي لحظات زماننا ونحن نولج للحياة تفتحت اسماعنا وعيوننا في قريتي الككر علي إبداع الساحر عبد الله محمد خير يصيغ الشعر بروحه المضيئة ولغته المتدفقة نبعا سلسبيلا
لم يكن شاعر ينظم الكلمات فقط بل كان هبة يهبها من روحه روحا تتناغم مع إيقاع الطبيعة كما لو كان قد ارتوى من وادي عبقر حيث الجن يلهمون الشعراء ويمدونهم بموهبة لا تضاهى
لكن لم يكن عبد الله محمد خير وحده في هذه الرحلة السحرية فقد وجد مدا صوتيا يتجاوز حدود الزمن يتجلى صوته كنداء قادم من أودية الإلهام الخفية إنه صديق أحمد في لقاء أشبه بتجلي الأرواح القديمة كتب الساحر أشعاره خصيصا لصوت صديق احمد و نقشها على طبقات نغماته قبل أن تغنى
هي المرة الأولى التي يكتب فيها الشاعر شعرا ليلبسه صوتا معينا ثوبا موسيقيا يناسبه تماما كما لو أن كائنا من عبقر كان يهمس للساحر فيمنحه مفردات منسابة تمنح البلبل الغريد وقوقاي القماري قدرة على بعثها حية في الأفق لم يكن صديق أحمد مجرد مغني كما كان النجيفي ليس مجرد شاعر) يؤدي كلمات الشعراء بل كان لسان عبد الله محمد خير الذي يترجم أحاسيسه إلى موسيقى تتردد في ذاكرة الأجيال
ومن هنا ولدت الثنائية الخالدة التي لم تكن مجرد تعاون فني بل كانت ظاهرة امتدت لعقود كأنها سحر لا يشيخ و حملت أغانيهم همسات النيل ودفء الشمس وشجن الحنين في منطقة منحني النيل غنوا للحب و الفرح للحزن وللأرض للاب (عابدون عافي) للام( بت الخدر) للابنه (زينوبة) للبحر للمطر للسفر (التوفيق السياحي) للمسيد والعيد للقمر(ياقمرة)للباخرة(احي من الجلا والبرد)للحسيناب والجابرية للدبة وكريمة والقرير وحزيمة ودنقلا والقضارف مدينه مدينه وقريه قرية
تطواف في كل العوالم.
كان صوت صديق أحمد يعيد تشكيل الزمن كأنما هو صوت خرج من عبقر رجعا للصدي ومن مزامير داوؤد ليستقر في وجدان الناس
وحتى بعد رحيلهما ستبقي أغانيهم كالنيل لا تجف ولا تنضب فقد عاشا نصف قرن من الإبداع .وستظل كلماتهم وألحانهم تنساب بين الأجيال تذكيرا بأن العبقرية والثنائية ليست محض صدفة بل لقاء بين ساحر ومسكون بالسحر التقيا في منحنى النيل كما لو أنهما التقيا في وادي عبقر ذاته ليكتبا معا أسطورة لن تموت كاحاجينا ومواويلنا وتاريخنا الذي يرقد تحت جبل البركل وكلنكاكول ابو الصلاح ويابا.
رحم الله عبد الله محمد خير ورحم الله صديق أحمد فقد أعطيا للفن السوداني وفن الطمبور أجنحة تحلق بهما في الثريا وجعلا للصوت بعدا اخر لا ينتمي إلى عالم البشر فحسب بل يمتد إلى عوالم الخيال والإلهام الأبدي