
خطاب “حميدتي” بين نية التصعيد الحقيقي ومحاولة رفع المعنويات
الغد السوداني_متابعات
حظي التسجيل المصور الذي بثه قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أول من أمس الإثنين، بتداول واسع على مواقع التواصل الاجتماعي لما ضمه من نذر تصعيد غير مسبوق للحرب الدائرة بين قواته والجيش السوداني منذ أكثر من عامين، وذلك بتهديده نقل القتال إلى “الولاية الشمالية” التي ظلت بعيدة نسبياً حتى الآن من نطاق المعارك العسكرية.
هذا التصعيد الجديد، بحسب ما هو متداول من آراء مختلفة لجمع من السودانيين، من شأنه أن يزيد من تعقيدات المشهدين الأمني والسياسي في البلاد، بخاصة في ظل تأكيد قائد “الدعم السريع” على “مواصلة القتال حتى تحقيق النصر” بحسب تعبيره، ورفضه العودة إلى “منبر جدة” التفاوضي برعاية الوساطة السعودية- الأميركية.
فإلى أين يتجه مسار هذه الحرب بحسب المراقبين خلال المرحلة المقبلة في ضوء هذه التطورات؟
وضع انهزامي
يقول الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية عادل عبدالعزيز الفكي، “من الواضح أن خطاب حميدتي جاء انهزامياً وعبر عن الحال المتردية التي وصلت إليها قواته المتمردة، كما أن حديثه عن نيته إنشاء مدن طبية لجرحى الحرب يوضح خسارته لأعداد كبيرة من قواته وحجم الإصابات الكبيرة وسط تلك القوات، فضلاً عن عدم قدراتهم على إسعاف هذا الكم الهائل من الجرحى، وهذا أكبر دليل على ما لحق به من هزائم في ميدان المعارك الأخيرة”.
ولفت الفكي إلى أن “التهديد بمهاجمة ولايتي الشمالية وبورتسودان تهديد فارغ المحتوى وغير جدي، فهذه الميليشيات المتمردة كانت قبل أشهر موجودة في ولايات الخرطوم والنيل الأبيض وسنار وهي مناطق قريبة جداً من ولاية الشمالية ولم تتمكن من التقدم نحوها، فكيف تهدد الآن باجتياحها وهي على بعد آلاف الكيلومترات منها، ومن ثم فإن ذلك مجرد تهديد يرمي لرفع الروح المعنوية وسط قواته المتراجعة”.
الخطر قادم
في السياق أوضح المراقب العسكري ياسر محمد، أنه “يبدو أن حميدتي لم يصل بعد إلى الفهم الحقيقي لأسباب الهزائم المتكررة والخسائر الفادحة التي مني بها من معارك جبل موية وسنجة والجزيرة والخرطوم حتى آخر منطقة استعادها الجيش بكل بسالة لتصبح خالية من هذه القوات المتمردة”. وتابع محمد، “لا يزال قائد الدعم السريع غافلاً عن حقيقة أن مشكلته أصبحت بالدرجة الأولى مع المواطن، إذ إن جنوده ارتكبوا أبشع الجرائم من نهب وتشريد وتعذيب واغتصاب وغيرها من الانتهاكات الوحشية في حق الناس، وإن كان يسعى إلى نصر، فيجب أن يدرك أن عليه قتال كل مواطن تضرر منه، وأصبح الآن أكثر وعياً ونضجاً من ذي قبل، وأكثر استعداداً للمواجهة في كل مكان، لذلك فإن التهديد باجتياح مناطق الشمالية أو الشرق أو شمال كردفان (الأبيض) لا يتجاوز كونه فزاعة خاوية لا تخيف”. وأشار المراقب العسكري إلى أن الخطر الحقيقي الذي تنتظره “الدعم السريع” قادم لا محالة، والجيش عازم في زحفه باتجاه ولايتي كردفان ودارفور، على القضاء نهائياً على هذه القوات المتمردة، وحينها سيتكشف عن أن ما هو قادم أعظم
نظرة استهانة
من جانبه أفاد الباحث السياسي عروة الصادق أنه “من الخطأ السياسي والاستخباراتي التعامل مع خطاب حميدتي الأخير بنظرة استهانة أو اعتباره مجرد هجوم دعائي أو تصعيد لفظي فارغ، فقائد ‘الدعم السريع’ وجه رسائل واضحة مفادها أنه لا ينوي وقف القتال إلا بتحقيق ما يعده نصراً، وهو بذلك يدفع الحرب إلى مربع جديد من التعنت، ملوحاً باحتمالية توسع العمليات العسكرية نحو مناطق استراتيجية مثل الشمالية والأبيض”. وأضاف أن “هذا الخطاب وإن كان يحمل في طياته بعداً نفسياً، فإنه في الوقت ذاته يعكس تصميماً حقيقياً لدى قيادة الدعم السريع على مواصلة القتال وعدم الاستجابة في هذه المرحلة لمبادرات التهدئة، إلا بشروطها، وهذا يتطلب من الطرف الآخر (الجيش) عدم الاكتفاء بإعلان الرفض أو التعالي السياسي، بل الدخول في مرحلة تقدير موقف واقعية، تحسب حساباً جدياً لإمكانات ‘الدعم السريع’ وخططها، لا سيما في ظل استمرار الإسناد الخارجي بالنسبة إليه، سواء بالسلاح أو الموارد أو المعلومات أو الحاضنة السياسية الإقليمية”.
وزاد الصادق أن “الحديث عن صد باب التفاوض تماماً من جانب ‘الدعم السريع’ فيه مبالغة تفسيرية، فتجربتنا مع قيادة هذه القوات منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023 وحتى اليوم تثبت أن موقفها من التفاوض ليس ثابتاً، بل يتغير بتغير موازين القوى، وإذا لمس ‘حميدتي’ جدية حقيقية في طرح مسار تفاوضي يراعي مصالحه، فضلاً عن تعرضه لضغط فعال من القوى الإقليمية والدولية، فإن احتمالية جلوسه إلى الطاولة تبقى قائمة، خصوصاً أنه يعرف جيداً أن أي انتصار عسكري لا يمكن أن يصمد من دون غطاء سياسي يضمن له الاعتراف والشرعية، ومن ثم الخطورة هنا ليس في قفل باب التفاوض لفظياً، بل في غياب مسار تفاوضي واقعي ومدروس من قبل الجيش والقوى المدنية، وهو ما قد يبقي زمام المبادرة بيد حميدتي”.
وواصل “أما في ما يتعلق بقدرة الجيش على مواجهة هذه التحديات، فلا بد من الاعتراف بوجود نقاط ضعف وهشاشة داخل المنظومة العسكرية التابعة للجيش، سواء على مستوى التنسيق أو الإمداد أو السيطرة على الجبهات البعيدة، لكن في المقابل يمتلك الجيش أفضلية واضحة من حيث السيطرة الجوية نسبياً، وشبكة الحشد الشعبوي في مناطق مثل الشمالية والأبيض، وتفوقاً في العمق اللوجيستي داخل مؤسسات الدولة والإسناد الخارجي من دول عدة، والمشكلة ليست في افتقاد الجيش للقدرات، بل في مدى حسن توظيفها، ومدى قدرته على تجاوز الخلافات الداخلية والتركيز على الهدف الأساس المرسوم له، الذي تخلى عنه لمصلحة أجندة الغير وهو الدفاع عن وحدة السودان لا وحدة التنظيم الإخواني المنحل وواجهاته ومنع تحوله إلى دولة ميليشيات أيديولوجية وأمراء حرب”.
وختم المحلل السياسي بالقول، “ينبغي التأكيد أن استمرار الحرب بهذه الصورة لن ينتج منتصراً حقيقياً، وأي قراءة استراتيجية ذكية لا بد أن تضع في حسبانها أن الحسم العسكري الكامل بات مستبعداً لكل الأطراف، وسيبقى الوصول إلى تسوية سياسية في النهاية ضرورة لا مفر منها، بيد أن خطاب حميدتي بكل قوته الظاهرية، هو أيضاً اعتراف ضمني بحال الاستنزاف التي وصلت إليها قواته، وفي تصوري لا يزال هناك متسع من الوقت للضغط السياسي والدولي لإجبار الأطراف على الانتظام في مسار تفاوضي، إذا أديرت الأمور بحكمة وروية ورؤية”.
خطاب حميدتي
وكان قائد قوات “الدعم السريع” أكد في تسجيل مصور قدرة قواته على مواصلة القتال “حتى تحقيق النصر الكامل”، رافضاً قبول أي نوع من التفاوض مع الجيش.
وأشار إلى أن قواته دمرت 70 في المئة من القوة الصلبة لـ”متحرك الصياد” التابع للجيش في المعارك التي دارت في مناطق الخوي بغرب كردفان، والدبيبات والحمادي بجنوب كردفان، داعياً مقاتليه إلى القضاء على ما تبقى من هذا المتحرك. وأوضح حميدتي أن لديهم الدليل القاطع على استخدام “متحرك الصياد” أسلحة كيماوية في معارك كردفان، فضلاً عن مشاركة مقاتلين دواعش ومختلف أنواع الكتائب، إلا أن “الدعم السريع” استطاعت تحقيق نصر عظيم على هذا المتحرك المدعوم بدول خارجية. وبين أن قوات الجيش جاءت إلى كردفان لسببين، “الأول أن يكون ميدان المعركة بعيداً من الولاية الشمالية، والثاني يتعلق بتحقيق أهدافهم من الحرب بحصر القتال بغرب البلاد”. وسخر قائد “الدعم السريع” من وضع القوة المشتركة التي تقاتل إلى جانب الجيش، قائلاً إن “عناصر هذه القوة يموتون بكميات كبيرة، في المعارك، ومع ذلك يتعرضون للإهانة والذل من قبل الموالين للدولة التي تسيطر عليها الحركة الإسلامية عبر الجيش”. وحض مواطني الولاية الشمالية ومدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، على عدم مغادرة منازلهم عند وصول قواته، “لأنها تستهدف الإسلاميين فقط”. ونوه حميدتي إلى ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني، مطالباً قواته بعدم قتل أي أسير. وتعهد تشييد مدن طبية لعلاج جرحى قواته، قائلاً “أولوياتي ما بعد الحرب ستكون رعاية الضحايا وأسرهم، والجرحى وأبنائهم”، “نقلاً عن اندبندنت عربية ”