
العودة للخرطوم.. بين سندان الأجندة السياسية ومطرقة المخاوف المشروعة
الغد السوداني_خاص
لايزال الجدل يكتنف المشهد حول العودة لولاية الخرطوم، فالترغيب والتوجس من أطراف عديدة ضجت به التصريحات، وتنازعت به الاتهامات، إذ باتت العودة وعدمها جِند سياسي بامتياز، ويأتي هذا وسط أزمات عديدة تُضيّق الخناق على مواطن ولاية الخرطوم داخل وخارج الولاية.
وبحسب البيانات الأخيرة الصادرة عن مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، يوجد في السودان حالياً ما يقرب من 11 مليونا و301 ألف و340 نازحاً داخلياً، بما في ذلك أولئك الذين نزحوا قبل اندلاع الصراع وبعده، ومن بين النازحين داخليا 31% من المواطنين الذين فروا من الخرطوم برقم تقديري يصل 3.5 ملايين نسمة، في الأثناء شهدت ولاية الخرطوم عودة لأعداد مقدرة من النازحين واللاجئين بعد سيطرة الجيش على مدينتي بحري و الخرطوم، ويشار إلى أن الجيش كان قد أعلن قُبيل أيام سيطرته على كامل ولاية الخرطوم وذلك بعد سيطرته على منطقة الصالحة جنوب أمدرمان والتي كانت آخر معاقل قوات الدعم السريع بالولاية.
وشهدت الفترة الماضية شروع عودة بعض الجهات الحكومية لولاية الخرطوم بعد زهاء العامين من المكوث بمدينة بورتسودان العاصمة الإدارية البديلة للخرطوم، حيث بعض الدوائر الشرطية لاسيما شرطة الولاية واقسام الشرطة، أما أمانة مجلس الوزراء فقالت انها تجري ترتيبات العودة بصيانة مقار الوزارات على أن تتم العودة بشكل كامل خلال الأربعة أشهر القادمة وفقاً لمصادر صحفية.
واتخذ مجلس السيادة بورتسودان عاصمة إدارية مؤقتة للبلاد عقب خروج رئيس المجلس الفريق أول عبد الفتاح البرهان من مقر القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم في أغسطس 2023، بعدما ظل محاصراً منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023.
وفي السياق يقول عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي كمال كرار، إن هنالك دعاية سياسية للتدليل على أن الأوضاع عادت إلى طبيعتها بولاية الخرطوم، مشيراً إلى أن هذه دعوات تحفيز المواطنين للعودة في ظل الحرب المستمرة.
و أوضح كرار بتصريحه لـ”الغد السوداني” أن هذه الدعوات تقترن الأخبار عن إنتشار الشرطة في بعض المناطق وعودة بعض المرافق الحكومية لمقارها القديمة، قاطعاً بأن هذا النوع من الدعاية السياسية مفخخ وله نتائج خطيرة.
ونوه كرار إلى أن المختصون فيما يتعلق بمخلفات الحرب يقولون إن دعوات العودة وتصوير أن الأوضاع عادت لطبيعتها،هي تستند في جوهرها على دعاية سياسية لا تراعي الحقائق الموضوعية.
وأردف كرار : “أولاً الحرب لم تتوقف بشكل عملي ولم تنته، وليس هناك هزيمة محققة أو نصر كامل لأطرافها ، ولا يوجد وقف موثق للعمليات الحربية، وإطلاق النار وإرسال المسيرات وغيرها من ادوات التصعيد العسكري، وبالتالي فلا توجد منطقة آمنة، حتى تلك التي دخلها الجيش مؤخراً كالخرطوم”.
و أبان كرار أن التمهيد لعودة المدنيين يمر بثلاث مراحل، الأولى مرحلة فرض السيطرة العسكرية وتقع هذه المرحلة على عاتق القوات المسلحة حيث يتم تأمين المنطقة المحررة ممن تبقى من جيوب القوات المعادية والتأكد من عدم قدرة العدو على العودة مجدداً، أما الثانية فهي مرحلة التأمين العسكري الأمني وهي مرحلة تقوم فيها القوات المسلحة بتطهير المنطقة من مخلفات بقايا الأسلحة والذخائر غير المنفجرة والألغام كما تقوم قوات الدفاع المدني بالتعاون مع الهلال الأحمر برفع الجثث والمخلفات والتوثيق لها ودفنها، كما تقوم الشؤون الهندسية بإعادة فتح وتمهيد الطرق وإعادة الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء واتصالات وخدمات صحية وتعليمية.
وتابع : “كذلك تقع على عاتق الاجهزة المعنية مهمة رئيسية تتعلق بتوفير المعلومات المطلوبة للتصدي لمحاولات التخريب والإرهاب التي قد تقوم بها الميليشيا، كذلك وضع تصورات عن المشكلات والتوترات الاجتماعية التي قد تنشب بين السكان المحليين نتيجة لهذه الحرب ووضع اقتراحات حول كيفية التصدي لها وتوضع علي منضدة الجهات المعنية”.
إلى ذلك قال كرار عن المرحلة الثالثة بأنها مرحلة عودة المرافق الخدمية للعمل وعلى رأسها المستشفيات والمدارس والبنوك وأقسام الشرطة والجوازات والسجل المدني والمرور وعودة السلطات المحلية لمزاولة أعمالها في المنطقة، وأيضاً اتخاذ التدابير اللازمة لفتح الأسواق وانسياب السلع”.
ولفت كرار إلى أن الحرب نفسها جلبت أنواع مختلفة من الوبائيات القاتلة، ومالم تتخذ التدابير اللازمة والحملات الصحية الضرورية فإن المواطنين سيكونون معرضين للإصابة والوفاة في ظل إنهيار المنظومة الصحية”.
وأضاف كرار : “حتى هذه اللحظة لم يُشرع عملياً في تنفيذ هذه المراحل، بل في المقابل يلحون على المواطن بالعودة ليتولى القيام بهذه المهام بالإنابة عنهم في موقف يعكس حالة الفشل ونقص الاحترافية التي تعاني منها هذه المؤسسات”.
وتابع : إن المواطنين العزل لن يطهروا الأرض من مخلفات الذخائر والألغام، ولن يؤمنوا المنطقة من المسيرات التي تضرب البنية التحتية ومحاولات التخريب التي تقوم بها مليشيا الدعم السريع، وبالتالي فإن عودة المواطنين الي بيوتهم دون التأكد من قيام السلطات المعنية بهذه المهام الثلاث أعلاه هو بمثابة انتحار والقاء بالمواطنين والأسر في التهلكة”.
وقال أيضآ :” عليه فهذه المخاطر ستظل موجودة إلى أن تتوقف الحرب نهائياً ويتم التحقق من كل ما ذكر أعلاه وبعد ذلك يمكن أن يعود الناس تلقائياً لمناطقهم”.