اعلان ماس فيتالس

سؤال المبتدأ، جواب الخبر؟!

طريق واشنطن الي سلام السودان.. مفروش بالورود، أم تحاصره الأشواك؟!

 

بقلم: الجميل الفاضل

رجلان، أحدهما كوبي الأصل يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكي، يسأل الثاني، لبناني الهوية الأولي، كان قد تمدد كذراع ولسان لواشنطن في أفريقيا، بل وفي الشرق الأوسط.

كلاهما يعمل تحت راية ترامب “رجل السلام” في نسخته المعدلة.

كانا يتحاوران على الهواء باسم أمريكا، يبحثان بعد طيّ ملف الكونغو ورواندا عن “اللي بعده”.

ماركو روبيو، وزير الخارجية، يسأل مبعوثه الخاص، مسعد بولس، علي ملأ وقبل أن يجف الحبر: “إلى أين تصوّب نظرك بعد، يا بولس؟”

فيردّ الأخير بسرعة، كمن يعلن نتيجة قرعة في بطولة لكرة القدم: “السودان”.

تلك الرائحة:

بيد أن روبيو لم يكتفِ بإجابة بولس المختصرة، التي رشّحت السودان لنيل بطاقة السلام التالية بعد الكنغو ورواندا، بل أشار إلى دور للدوحة يشبه مهام حكام تقنية الـ”VAR” الذين من شأنهم أن يصححوا أخطاء حكام الوسط، أو حتي كدور حاملي الرايات الذين يعدون على الخط لضبط حالات جرت بعيدا عن أعين حاملي الصافرات.

بلد يترنح:

علي أية حال، فالسودان الآن بلد يترنّح، يمشي على جثته، يطبع خطأه بالدم على قارعة الطريق، يحاول أن يستند إلى جدارٍ ساقط في شارع الزلزال.

في هذه اللحظة، يطلّ رجل من بعيد، يحمل “كرباجا” يتحدث بكتفيه، يزفر كلماته من تحت أرنبة أنفه.

إمبراطورية تتنفس:

هو دونالد ترامب رجل تتنفس به إمبراطورية أنهكها الزمن، تتشبّث به كآخر فرصة لإثبات أن عضلاتها لا تزال تعمل، وأن نفوذها يمكن إعادة تدويره من غزة إلى إيران، ومن الكنغو إلى الفاشر، عبر دهاليز السياسة أو حتي فوهات البنادق.

المنقذ الكوني:

ترامب الذي أذلّ صحافة بلاده على الهواء، لا يرتضي دورًا أقل من “المنقذ الكوني”.

إذن فقد أدرج الرجل السودان في جدول أعماله، لا حبًا في النيل الذي يموت الآن من العطش، ولا شغفًا بالخرطوم التي تهرب احلامها من تحت وسائدها.

ترامب المهووس بنوبل السلام يريد أن يكتب فصلًا جديدًا في مسرحية: “أنا الرئيس الأقوي.. أنا صانع السلام”.

وزيره، روبيو، يسأل مبعوثه بولس، وسط الكاميرات: “ما التالي؟”، يجيب بولس كمن يقرأ من ورقة أمامه: “السودان”.

الكلمة السحرية:

السلام الآن، هو الكلمة السحرية، التي تُفتح خزائن واشنطن، وأبواب بيتها الأبيض، تحمله طائرات البي 2 علي أجنحتها مع قنابلها الخارقة للأجسام الصلبة وللعقول المتحجرة.

لكن شيئًا ما، في هذا الإعلان المفاجيء، بدا وكأنه قد تغشي بظلال الدوحة الغامضة.

الكل يترقب:

فادوار قطر تاريخيا، ظلت تدور في فلك عوالم الإسلاميين المعقدة.

وبالمقابل، ربما ان الإمارات قد تتململ من بروز هذا الطيف القطري العائد الي السودان.

وقد تراقب مصر المشهد عن كثب لكن بقلق، في حين تنهمك السعودية في قراءة مابين سطور تصريح روبيو من دلالات ومن معاني.

بينما إسرائيل، من على البعد، تشحذ سكاكينها الطويلة لبتر أي نفوذ إيراني قد ينمو في الخرطوم أو بورتسودان.

وردة في البئر:

أما البرهان، فيقف كمن يمشي فوق حقل ألغام، يعلم أن أي خطوة يخطوها في الاتجاه الخاطيء قد تكون الأخيرة.

ليرمي مجبرا في ذات يوم سريان العقوبات الأمريكية، اعلان هدنة إنسانية علي الفاشر، كمن يرمي وردة في بئر لا قاع له.

لكن، هل يكفي الورد في طريقٍ مفروش بالأشواك؟.

ثم هل هناك متسعٌ بعد في بورتسودان قبل أن يلقي حجاج هذا العصر خطبته الاخيرة؟.

أم أن رؤوسا قد أينعت هناك وحان قطافها، لا يهم سواء بمنجل الحرب أو بأغصان السلام؟.

مفترق طرق:

المهم، ها نحن على مشارف فصل جديد، لا أحد يعلم كيف ستُكتب سطوره:

هل ستُعيد واشنطن تشكيل السودان على طريقتها، كما فعلت من قبل في بقاع شتى؟.

أم أن التناقضات الإقليمية، والحساسيات المتقاطعة، والمصالح المتنازعة، ستجعل من طريق السلام هذا مجرد متاهة أخرى في صحراء لا تنتهي؟.

فالسودان، الذي صار ميداناً لأجندات الآخرين أكثر من كونه وطناً لأهله، يقف الآن على مفترق طرق.

وبين كواليس السياسة في الدوحة، وحسابات التوجس في أبوظبي، وقلق القاهرة، وتربص تل أبيب،

يبقى السؤال الكبير:

هل تملك واشنطن حقاً مفتاح الحل؟

أم أن منازل الطموح الأمريكي ستُبنى، كعادتها، على الركام؟.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.