شباب من دماء الثورة إلى أفق الغد
بقلم: عروة الصادق
orwaalsadig@gmail.com
● هذه الارض بكر لم تخرج بعد ما في باطنها، وهذه البلاد سوادها الأعظم شباب، خرجوا إلى شوارعها كالسيل الجارف، تعفروا بثرى الوطن ورووه بدمائهم وعرقهم، قادوا مناهضة الاستبداد ومحاربة الفساد، فارتجت أركان الطغاة في السودان والمنطقة والإقليم والتفت إليهم العالم وأعارهم اهتمامه، وعلموا أن هذه الأرض لهم فيها ما عليهم، وأن هؤلاء الشباب قادرون على إدارتها بما يهوون ويحلمون ويبتكرون، لكن هذا الحلم أثار رعب دولٍ وأحلافٍ، فتآمرت على إجهاضه بدعم انقلاب أكتوبر ٢٠٢١م، وهدمت جدار العزلة الذي شيدته الثورة حول التنظيم المحلول وحركته الإخوانية، فأذكوا مجتمعين نيران حربٍ خدمت أجنداتهم الخاصة ومصالحهم الذاتية، فقتلت آلتهم الشباب وقضت على حلمهم وغضت مضاجع الشباب، وما أشهده اليوم من مشاهد دموية وبشعة مستنكرة ومستشنعة يندى لها الجبين، من قتلٍ متبادلٍ بين طرفي الحرب، والضحايا سمتهم الأعظم شاب، وهو أمر يوجب علينا كجيلٍ أن نصرخ في وجه الطغاة وأمراء الحرب وقادة الإبادة وتجار بارودها اللئام، نحن نريد أن نحيا كما يحيا الكرام، علينا أن نستيقظ من هذا الكابوس ونُنهي حقبة الدم والدموع لصالح الغد والمستقبل الآتي.
– إن شباب السودان ليسوا مجرد أرقامٍ في سجلات الحرب، بل هم نبض الثورة وروح الوطن، إنهم من حملوا راية (الحرية – السلام – العدالة) على صدورٍ عاريةٍ أمام الرصاص، هم من هزّوا عروش الطغاة في ديسمبر المجيدة وبددوا وهم دكتاتورية جثمت لثلاثة عقود على تلد الصدور، لكنهم اليوم يُذبحون على مذبح المصالح الإقليمية والدولية، حربٌ تُحيل أحلامهم إلى رمادٍ ومدنهم إلى أنقاضٍ، وتنهب ثرواتهم، وتبدد مقدراتهم، وتحرق كيان دولتهم، وتُشرد الملايين وتُحاصر الأحياء في قبضة الجوع والخوف، هذه ليست حرباً سودانيةً خالصةً، بل صراعٌ وكالةٌ تُديره أيادٍ خارجيةٌ تُغذيها أطماعٌ في الذهب والنفوذ وممرات البحر الأحمر، لكن هذا الشباب بجَلَده وعناده، يرفض أن يكون مخلب قط أو وقوداً لهذه النار، إنهم قوةٌ تُعيد صياغة المصير إن أُتيحت لهم الفرصة.
– إن التآمر الذي دعم انقلاب أكتوبر وأعاد إحياء فلول الحزب المحلول من قبور الثورة ليس مجرد خيانةٍ سياسيةٍ، بل جريمةٌ ضد جيلٍ كاملٍ قادتها سلطة الانقلاب وسدنته، وإنه محاولةٌ لإجهاض حلمٍ يُهدد أنظمةً ترتعد من صوت الشباب، دولٌ إقليميةٌ ودوليةٌ رأت في السودان ساحةً لتصفية حساباتها، فأمدت طرفي الحرب بالسلاح والمال، تُشعل النار لتُحقق أجنداتها بينما يدفع الشباب الثمن، لكن هذا التآمر يكشف عن خوفٍ عميقٍ من قوةٍ لا تُقهر، قوةٍ تجسدت في شوارع الخرطوم وعطبرة وبورتسودان ومدني والفاشر والأبيض والدمازين، قوةٍ قادرةٍ على إعادة بناء السودان كدولةٍ مدنيةٍ ديمقراطيةٍ إن تحررت من أغلال التدخلات الخارجية.
– إنهاء هذه الحرب ليس مجرد مطلبٍ إنسانيٍ، بل استحقاقٌ استراتيجيٌ يُعيد للشباب دورهم كصناع المستقبل، وهذا أمر يتطلب إحياء مبادرات السلام المتعثرة، منبر جدة ينبغي أن يُستعاد كمنصةٍ لوقف إطلاق النار وفتح مسار إنساني وشريان حياة سوداني، مع عقوباتٍ دوليةٍ على من يُعرقلون التزاماته، ومنبر القاهرة (2) ينبغي أن يتجاوز إخفاقات سابقه ليكون جسراً واصلا للحل السياسي الشامل، لا خطاً فاصلاً يؤسس لتعميق الخلاف السوداني / السوداني، وينبغي لن يُعالج النزوح والأزمة الإنسانية ويُكرس العدالة الانتقالية، ومصر كجارةٍ وشريكةٍ، مدعوةٌ لتتجاوز مطامعها في النفوذ إلى مشاركةٍ حقيقيةٍ في استقرار السودان، لأن أمنها مرهونٌ بأمن جارتها الجنوبية، هذه المبادرات ليست ترفاً، بل هي السبيل لإنقاذ جيلٍ يُذبح على مذبح الحرب.
– لكن الطريق إلى الغد يتطلب منا، كشبابٍ، أن نُعيد صياغة أولوياتنا، أن نُحطم أسوار القبلية والجهوية والعنصرية وخطابات الكراهية التي تُغذي الانقسام، ينبغي أن نُواجه التدخلات الخارجية بإرادةٍ موحدةٍ ترفض أن تكون السودان ساحةً للصراعات الوكالة، وأن نمضي بعمل وأمل لنُحيي اقتصاداً منهاراً بحقول القطن وأشجار الصمغ العربي وقطعام الماشية وسبائك ذهبنا التي تهرب تحت رعاية السلطة وفي حقائب وزرائها، وأن نُشيد مستقبلاً يُحقق طموحاتنا لا يُدفنها تحت ركام القنابل، هذا الطريق يحتاج إلى عقولٍ تُخطط وأكفٍ تُناضل، لا إلى ألسنةٍ تُردد الشعارات أو قلوبٍ تُسلّم الأمر للقدر.
● ختاماً: إن صوت الشباب في السودان ليس همهمةً تتلاشى في الريح أو شنشنة تركن لآلة الحرب أو “طنطنة” تعجز عن البوح بحلمها، بل زلزالٌ يُهز أركان الطغيان ويُوقظ النائمين ويرعب الدكتاتوريا، صوتٌ يُجسد عزيمة جيلٍ يرفض الذل وثبات شعبٍ يحمل راية الحلم، أنتم أيها القراء، وبالأخص أبناء جيلي (جيلي أنا)، أنتم أحجار هذا الصوت العالي المزمجر، فلمَ لا نكون نحن من يُنهي كابوس الحرب ويُشيد غداً يليق بالكرام؟؟!!
– أرسل في مقالي هذا تحيةً خاصة وخالصة وصادقة وعطرةً للشبكة الشبابية السودانية التي أطلقت حملتها الواعية الواعدة تحت وسم #رؤية_جيل، وهي دعوةٌ أتت في زمكانها المناسب علها تُحيي الأمل وتُلهم الفعل، فلنجعل من كل لحظةٍ خطوةً صلبةً نحو ذلك المستقبل، فالغد ليس أمنيةً نترجاها، بل حقيقةٌ نُحققها، وطريق نُعبده، ومجد نعيده، وإن تخلينا عنه، فسنظل أسرى دمٍ ودموعٍ تُروى عنها الحكايات بدلاً من أن ترويها.