
3 ملايين طفل سوداني مهددون بالأمراض الوبائية وسط تدهور صحي كارثي
تتفاقم أوضاع الأطفال في السودان بشكل غير مسبوق، حيث باتت معاناتهم عنواناً لأزمة إنسانية متصاعدة. في قرية نائية بولاية الجزيرة، تقف المواطنة حليمة أبكر عاجزة أمام حالة طفلتها ذات الثلاثة أعوام، التي تعاني من سوء تغذية حاد دون أي إمكانية لتلقي العلاج، بعد توقف المراكز الصحية عن العمل وانعدام الغذاء وتدهور الأوضاع المعيشية. تقول حليمة بأسى: “أطفال كثيرون ماتوا أمام أعيننا، ولا يوجد أي نوع من الرعاية الصحية الأساسية”.
الصراع المستمر في السودان أدى إلى نقص حاد في الغذاء وانتشار واسع للأمراض، خاصة في المناطق المتأثرة بالنزاع، ما تسبب في ارتفاع معدلات الوفيات، لا سيما بين الأطفال وكبار السن. وتفاقمت الأزمة الصحية مع انتشار وبائيات جديدة مثل الكوليرا، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية وغياب المياه النظيفة والكهرباء.
وفي ولاية الخرطوم، ازدادت معدلات سوء التغذية بين الأطفال بشكل مقلق. فقد أعلنت غرفة طوارئ منطقة الكلاكلة جنوب العاصمة عن وفاة ثلاثة أطفال بمستشفى التركي، ليرتفع العدد الكلي للوفيات إلى عشرة خلال 12 يوماً فقط. وأشار بيان الغرفة إلى أن انقطاع الكهرباء أسهم في تفاقم الوضع، حيث توفي ستة أطفال نتيجة توقف أجهزة الأكسجين والحضانات.
أما في دارفور، فالوضع لا يقل مأساوية، حيث يعاني آلاف النازحين في المعسكرات من نقص في الغذاء والدواء والماء، ما أدى إلى وفاة أكثر من 70 طفلاً بسبب سوء التغذية، وفقاً لإدارة المعسكرات. كما أكد آدم رجال، المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، أن معسكرات منطقة مكجر تسجل نحو 450 حالة سوء تغذية حاد بين الأطفال، داعياً الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى التدخل العاجل.
وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى ارتفاع غير مسبوق في معدل وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية، وسط اضطرار كثير من الأطفال للسير لمسافات طويلة في ظروف بالغة الصعوبة، بحثاً عن الغذاء أو العلاج.
كما يواجه نحو 19 مليون طفل في السودان خطراً مباشراً على مستقبلهم، بسبب النزوح وانقطاع الدراسة لأكثر من عامين. ويضطر كثير منهم للعمل في مهن هامشية لمساعدة أسرهم، بينما تغيب المؤسسات التعليمية بشكل شبه تام عن معظم المناطق المتأثرة بالنزاع.
وفي هذا السياق، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن نحو 3 ملايين طفل دون سن الخامسة معرضون للإصابة بأمراض وبائية مثل الحصبة، الملاريا، الكوليرا، الالتهاب الرئوي، والإسهال. ولفتت إلى أن الأطفال يمثلون أكثر من 22% من حالات الإصابة بالملاريا، و16% من الوفيات الناتجة عنها، مشيرة إلى ازدياد الخطر مع دخول موسم الأمطار من مايو حتى أكتوبر.
ويؤكد ممثل اليونيسف في السودان، شيلدون يت، أن الأطفال في السودان يواجهون خطراً وجودياً، حيث تعمل أقل من 25% من المرافق الصحية في المناطق المتأثرة، في ظل انعدام المياه النظيفة، وسوء الصرف الصحي، وضعف خدمات الرعاية الصحية.
وفي جانب آخر، وثقت منظمة إنقاذ الطفولة وصول حوالي 500 طفل غير مصحوبين بذويهم إلى ولايتي النيل الأزرق والقضارف، خلال ستة أسابيع فقط، ما يعكس عمق المأساة التي تعصف بالأطفال نتيجة الحرب المستعرة منذ أبريل من العام الماضي.
من جانبه، أوضح الدكتور أحمد الأبوابي، استشاري الطب النفسي، أن الأطفال يعانون من أزمات نفسية حادة ناجمة عن فقدان الأمل في التعليم والاستقرار، خاصة في ظل الفقر وقلة الخيارات المتاحة لأسرهم. ويشير مختصون إلى أن الأطفال المنفصلين عن عائلاتهم معرضون لأشكال متعددة من العنف والاستغلال، بما في ذلك التجنيد القسري والاتجار.
في مدينة الفاشر بغرب البلاد، يعيش الأطفال النازحون أوضاعاً مأساوية في منطقة شقرة، حيث يفتقرون إلى الغذاء والماء والمأوى، ويعيش كثيرون منهم في العراء تحت درجات حرارة مرتفعة. ومع تصاعد حدة العنف وارتفاع أسعار السلع الأساسية، فر آلاف الأطفال بصحبة ذويهم هرباً من المعارك.
وكانت اليونيسف قد حذرت من أن نحو 750 ألف طفل في مدينة الفاشر وحدها معرضون لخطر الموت أو التشريد، في حال اندلاع هجوم عسكري على المدينة، التي تؤوي نصف مليون نازح .