
بورتسودان تحترق… شلل اقتصادي وتجاري بعد تكرار ضربات مسيرات الدعم السريع
حالة من الشلل بدات تربك القطاعات الاقتصادية التجارية والانتاجية والخدمية فى السودان بعد الضربات المتتالية التى شنتها مسيرات مليشيات الدعم السريع على مدينة بورتسودان “العاصمة البديلة” للسودان بولاية البحر الاحمر”شرق” فى اهم مرافقها الحيوية المطار والميناء والبرميل الرئيس للمخزون الاستراتيجيى للوقود واربعة مخزونات اخرى لتخزين الوقود بالميناء، كما يعتبر المطار البوابة الرئيسة الوحيدة للطيران بعد مطار الخرطوم الدولى الذى خرج عن الخدمة منذ بداية الحرب فى ابريل من العام 2023م
وتعتبر ولاية البحر الأحمر المنفذ البحري الوحيد بساحل طوله 780 كلم ومن ثم يتربط نشاطها مع حركة الصادرات والواردات وحركة النقل جوا وبحرا.
كما يعد مطار بورتسودان ثاني أكبر مطار في السودان بعد مطار الخرطوم الدولي تم افتتاحه رسمياً في عام 1992. وهو مطار مجهز بكافة التجهيزات الملاحية والأرضية الحديثة، يستقبل طرازات مختلفة من الطائرات المدنية والعسكرية، يبعد هذا المطار حوالي 20 كلم عن وسط مدينة بورتسودان، ويقول مختصون ان المطار ظل يستقبل على مدار العامين الاغاثة الطارئة للنازحين ويستقبل حركة المسافرين ، واكدوا ان توقف المطار سيؤثر على العائدات الاقتصادية التى تاتى من خدمات المطار اضافة الى تاثر المسافرين السودانيين انفسهم، حيث ساهم المطار والميناء فى بداية حرب السودان فى اجلاء البعثات البلوماسية والمواطنيين الى بلدانهم.
وعلقت شركات طيران رحلاتها من والى مطار بورتسودان كما علقت الامم المتحدة جميع رحلاتها الى السودان وأعلنت المنظمة تعليق رحلات الخدمة الجوية الإنسانية التابعة للأمم المتحدة من وإلى بورتسودان مؤقتا. وقال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة إن هذه الهجمات لم يكن لها تأثير مباشر على العمليات أو الأنشطة الإنسانية في بورتسودان، وأضاف “لم تتأثر أي من مكاتبنا أو مبانينا أو مستودعاتنا، ونواصل تنفيذ عملياتنا المعتادة وأشار المتحدث الاممي إلى أن هذه الضربات الأخيرة تأتي في أعقاب سلسلة من الهجمات بطائرات مسيرة على المطارات والبنية التحتية المدنية الأخرى، بما فيها محطات توليد الكهرباء التي تسببت في اضطرابات كبيرة في إمدادات الكهرباء وكذلك الوصول إلى مياه الشرب الآمنة للمدنيين، بمن فيهم النازحون والعائدون.
وطمانت وزارة الطاقة والنفط فى بيان المواطنيين باستقرار إمداد المشتقات البترولية و وفرتها بكافة محطات الخدمة البترولية وقال وزير الطاقة والنفط محي الدين نعيم ل”العربي الجديد” حتى الان لم يتم حصر الخسائر ولكنها تصل الى مئات الملايين من الدولارات واعتبر الوزير فى حديثه ان الحريق لازال مشتعلا فى الخزان الرئيس وامتد الى الخزانات المجاورة ما يجعل التكلفة كبيرة جدا، وقال الوزير ان استهداف المنشات الخدمية والمدنية بالسودان والتي تلامس حياة المواطن السوداني مباشرة يشير الي ان الهدف هو تعطيل الحياة بالبلاد ويعكس اصرار هذه المليشيات علي مواصلة استهداف المواطن السوداني في نفسه وعرضه وماله وحتى في الخدمات التي تقدمها له الدولة.
ووفق مشاهدات فان محطات التزود بالوقود داخل مدينة بورتسودان بدات تشهد ازدحاما غير مسبوق منذ صباح امس الاثنين، كما انقطعت الكهرباء بصورة تامة عن المدينة بعد استهداف محطة بورتسودان التحويلة بمسيرة انتحارية وقالت شركة كهرباء السودان إن طائرات مسيرة استهدفت صباح الثلاثاء محطة بورتسودان التحويلية ما أدى إلى انقطاع تام للتيار الكهربائي وأضافت الشركة في تعميم صحفي، إن “الاستهداف الممنهج لمحطات الكهرباء بصورة متكررة ينعكس سلبيًا على خدمات المواطنين في المياه والصحة.
ويعد ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، الذي تم افتتاحه عام 1909، الميناء الرئيسي للبلاد، وتبلغ سعته نحو 1.3 مليون حاوية سنويا، بينما تبلغ احتياجات السودان نحو 500 ألف حاوية، مما جعل الميناء منفذا بحريا مهما لبعض دول الجوار غير مطلة على البحر مثل إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى، ويعد مرفقا استراتيجيا لحركة صادرات وواردات السودان، إضافة إلى ربطه بين قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا. ويقول احد العاملين فى الميناء الجنوبي ان بعض السفن القادمة الى الميناء توقفت فى المياه الدولية لتقييم الاوضاع رافضة الدخول الى المياه الميناء وقال بالطبع سثؤثر الاحداث الاخيرة على عمليات الصادر والوارد.
التطورات الاخيرة تهدد بانهيار شبكة الإمدادات الإنسانية والتجارية بالكامل فى السودان بزيادة تعقيدات الوضع المعيشي اليومي للمواطنين بارتفاع اسعار السلع والوقود حيث شهدت مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء ازدحاما على محطات الوقود فى وقت اغلقت بعض المحطات العمل وتوقف بعض مكاتب شركات الاتصالات وبدات بعض الشركات النزوح من المدينة الى عطبرة بولاية نهر النيل وفق مصادر.
ورغم الهدوء الذى يسود المدينة الا ان عدد من الاسر بدات فى النزوح من مدينة بورتسودان الى الى مدن (سواكن وجبيت وسنكات وطوكر وعقيق) بحسب افادات سكان الولاية.
ويسع المستودع الرئيس فى بورتسودان تخزين 210 الاف متر مكعب من الغاز، و80 ألف متر مكعب من الجازولين، و20 ألف متر مكعب من وقود الطائرات، و50 ألف متر مكعب من البنزين.
يتقسم ميناء بورتسودان إلى أربعة أقسام تضم أرصفة الميناء الشمالي يضم 12 رصيف مخصص للبضائع العامة اما الميناء الجنوبي يضم ستة ارصفة لحركة الحاويات.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الناير أن ميناء بورتسودان يمثل أهمية اقتصادية قصوى للسودان وباستهدافه تتقطع اوصال الحركة التجارية لانه ظل يرفد خزينه الدولة بملايين الدولارات من النقد الاجنبي نظرا لاعتماد السودان على الصادرات والواردات فى تغطية اكثر من 60 % من احتياجاته الرئيسية كما تعتمد عدد من بلدان المنطقة على الميناء ولذلك سوف تتاثر بعض الدول الافريقية فى استيراد سلعها فى حال توقفت حركة الملاحه فى الميناء.
وتأتي على قائمة القطاعات المتضررة قطاع الصادر والوارد والذي سينعكس أيضا على ضعف الإيرادات الحكومية إذ تقدر الخسائر ما بين 30 إلى 40 مليون دولار يوميا مما يؤثر في نهاية المطاف على الخدمات المقدمة للمواطنين.
وسبق ان وقع السودان اتفاقية بقيمة 6 مليارات دولار، مع تحالف تقوده مجموعة موانئ أبوظبي وشركة “إنفيكتوس” للاستثمار، لإنشاء ميناء أبو عمامة الجديد الذي يضم منطقة اقتصادية، على البحر الأحمر قبل ان تتراجع الحكومة وتلغى الاميتاز الذى منحته عقب اندلاع الحرب فى ابريل 2024م.
وكانت حكومة البشير وقعت في عام 2018 عقد امتياز لتشغيل الميناء مع شركة “آي سي تي إس آي” الفلبينية لمدة 20 عاماً لتشغيل وإدارة وتطوير ميناء الحاويات مقابل 530 مليون يورو، دفع منها 410 ملايين يورو، على أن يدفع الباقي بالأقساط، إلى جانب دفع مليون يورو أجرة شهرية تزيد مستقبلاً إلى 1.5 مليون يورو، وعقب سقوط نظام البشير فى عام 2019، علق المجلس العسكري حينها الاتفاقية، بعد ضغط من العمال في الميناء الذين دخلوا في إضراب وأبدوا رفضهم أي خطوة لتخصيص الميناء.
وحمل خبراء ما حدث فى بورتسودان الى التدابير التى لم تتخذها وتتحسب لها الحكومة لان البلاد تعيش فى حرب ما يشير الى احتمالية وصول الحرب الى مواقع استراتيجية وقال الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان ان مهمة وزير النفط هي ان يضمن امدادات المواد البترولية للاقتصاد السوداني ويبدو انه اتخذ خطوات تكفل له ضمان تواصل الامدادات حتي بعد تضرر المستودع الرئيسي للمخزون النفطي.
واضاف لكن ما لم يقله الوزير هو ان قصف المسيرات ان تواصل وشمل اجزاء اخري حيوية من بورتسودان فقد ترفض السفن المجيء الي بورتسودان وبالتالي ستحدث ندرة في الوقود وعليه فإن المطلوب هو تامين مدينة بورتسودان بأنظمة حديثة مضادة للمسيرات باعجل ما يمكن لأن الاقتصاد لا يتحمل هكذا مخاطر
ويقول الفاتح ان الحكومة السودانية مطلوب منها ايضا التحوط لكافة الاحتمالات لان الحرب دوما حبلي بالمفاجات، اما الرحلات الجوية لمطار بورتسودان لن تتاثر كثيرا متي ما اعلنت السلطات السودانية ان المطار مفتوح وأنه أمن واضاف معظم الدول التي فيها حروب تتعرض لايقاف مؤقت للرحلات الجوية بسبب هجمات جوية علي المطار او بالقرب منه، اذا مستقبل الشحن الجوي والبحري يتوقف علي ما ستفعله السلطات السودانية لايقاف خطر المسيرات او تحييده.
وقال الخبير الاستراتيجيى محمد عبدالله ياسين ان ميناء بورتسودان يعد البوابة الاكبر للسودان واستهدافه يهدد الامن الغذائي والدوائي للمدنيين، ويعتبر منفذ رئيس لاستيراد السلع ومنفذ بحرى وحيد يحتضن عدة موانئ متخصصة الجنوبي والشمالى وميناء بشائر للغاز المخصص لنفط دولة جنوب السودان بالاضافة الى ميناء سواكن المخصص لنقل الركاب وصادر الماشية وقال عبدالله ان استهداف الميناء يؤثر بالتاكيد على المواطن لانه يعتبر شريان الحياة للبلاد ويؤثر على اوضاع السودان المعيشية المتدهورة اصلا وقال لذلك اصبح ميناء بورتسودان خاضعا منذ سنوات لتنافس كبير بين القوى الاقليمية والدولية باعتبار انه يقع فى منتصف دول العالم على البحر الاحمر واضاف تعبر به حوالى 20 % من التجارة العالمية و30 % من تجارة نفط العالم واضاف لايستبعد ان يكون الاستهداف للميناء بسبب تنافس دول العالم خاصة تزايد المخاوف من امكانية انشاء روسيا لقاعدة بحرية فى البحر الاحمر.
