بكل بهدوء ..
بقلم – مكارم جميل
في عالم يموج بالأفكار المتضادة، والآراء المتطاحنة، نحتاج أن نتأمل قليلًا : هل نحن حقًا نعيش ما نؤمن به، أم أننا نحارب دفاعًا عمّا ورثناه؟
ما بين الإلحاد والإيمان، والذكورة والأنوثة، والانتماءات الضيقة والصراعات الواسعة، تضيع فينا البساطة، وتذوب العادية، ونفقد اتزاننا الإنساني.
هذه ليست دعوة للحياد، بل دعوة للاعتدال.
هي محاولة لتصفية الضجيج من حولنا، واستخلاص صوتٍ داخلي خافت، ينادي بالتسامح، ويطلب فقط أن يُسمع، لا أن ينتصر.
ليس من الواجب على الملحدين إظهار إلحادهم الحاد، ولا على المؤمنين كذلك إظهار إيمانهم المتطرف.
لا النساء يجب أن يملن إلى نسوتهن المبالغ فيها، ولا الرجال أن يتحيزوا إلى رجولتهم المغلظة.
وعلى هذا المنوال، في شتى تفاصيل الحياة وأدق تعاملاتها الشخصية، الدينية، والمجتمعية.
دعنا من القوانين الوضعية والعلوم الطبيعية والأديان، سواء ما صحّ منها أو ما أخطأ. دع الآخرين يعبرون عن مدى اتساعهم أو حتى ضيقهم،
هكذا… بكل عادية.
نحن عاديون. لا تفرّقنا تضاريس الجسد عن الموت، ولا تعابير الوجوه عن البكاء.
وإنّ عادية الحياة تكمن في وسطيتها، لا أن تقف شمالًا قصيًّا، ولا أن تقعد يمينًا متطرفًا.
الإنسانية لا تُقاس بمن هو الأقوى أو الأعظم، بل بتقاسم الأشياء برزانة وحكمة.
التعنت في الرأي لا يرقى إلى احترام الذات الإنسانية، بل هو نتاج تربية مغلقة في إطار أحادي.
ومن مآلاته: انعدام الثقة بالنفس، وخفوت ذلك الصوت الداخلي الذي تسمعه ولا تجرؤ على البوح به.
فتظهر أفعالك مخالفة لأقوالك، وتبدو انفعالاتك حادة حين يخالفك أحدهم في أفكارك وقناعاتك.
التقبّل الكامل هو طوق النجاة.
هي تلك الصفة التي تمنحك القدرة على قول رأيك بهدوء، دون توتر من الآخر أيًّا كان نوعه، أو شكله، أو مكانته.
هذه المعضلة التربوية قد تقود إلى منحى أخطر مما يتصوره البعض.
فالتحزّب على مستوى الفرد ما هو إلا مستنقع آسن يسقط فيه أصحاب الشخصيات المهزوزة، والأكثر حساسية في التعامل مع المجتمع والمجتمعات المختلفة.
أما على مستوى الجماعة، فهو مؤشر لتفكك وحدة الأمم، وحدوث خلل في التماسك المجتمعي، ونشوب النزاعات، صغيرها وكبيرها.
انقسمت الخلايا للتكاثر، حين شعرت برغبة فطرية في الانفصال، لإحداث ثورة بشرية موحدة.
ذاك هو الانقسام الحميد، من أجل المصالح المشتركة، ومن أجل الالتفاف حول نار تدفئ الجميع، لا من أجل التسلّط والتعالي، لسدّ فجوة ضعف الإيمان وهشاشة الشخصية.
خالِفني الرأي بكل ودّ. ناقشني دون شخصنة.
اتركني غير مبالٍ بما تقول؛ لا الفوز واجب، ولا الخسارة هزيمة.
لكن لا تجعل الأمر يسوء أكثر، فيصل إلى الاعتداءات اللفظية، أو الجسدية، أو حتى النووية (هذا آخر إصدار).
القدر يكتب أحيانًا بأن تكون ورقة الشجر ذات لونين.
فما ضرّك لو تقاسمنا تلك الورقة، وتقبّلنا نصيبنا؟
مرة تأخذ أنت الجزء الأصفر، ومرة آخذ أنا الأخضر.
وفي المرة القادمة نتبادل، هكذا بكل هدوء .