نزع الشرعية أم تقسيم المقسم

ندى أبو سن

عمل المتأسلمون منذ بداية الحرب على الترويج لفكرة التقسيم، ولم يدخروا خبثًا أو كذبًا أو جرمًا إلا وسخّروه في سبيل ذلك.

والآن، بعد أن أصبح التقسيم أمرًا واقعًا بتوقيع عدد من القوى المدنية والعسكرية للميثاق السياسي في نيروبي، ها هم يتهكمون ويسخرون من مكوناته بالصراخ والعويل والتحليلات الغبية، رغم أن التقسيم كان خيارهم وقد جاهروا بطلبه! بل مارسوا التقسيم فعليًا على أرض الواقع بحرمانهم أهالي غرب السودان من أوراق الهوية السودانية، وفرض بطاقات الإقامة على المتواجدين منهم في أماكن سيطرة الجيش، كما حرموا طلاب غرب السودان من الجلوس لامتحانات الشهادة السودانية.

وذبحوا، وبقروا البطون على الهوية، وشرّعوا قانون العنصرية!
ولا ندري ماذا كان ينتظر المتأسلمون بعد كل أفعالهم تلك، التي دفعت بالمكونات الموقعة على ميثاق السودان التأسيسي إلى فكرة تكوين الحكومة الموازية.

فكل شيء مباح للمتأسلمين وحرام على غيرهم!
فعندما استخدموا الجنجويد لقتل السودانيين في دارفور، كان الأمر مباحًا لأنه يخدم أجنداتهم، وعندها كان الجنجويد من رحم القوات المسلحة، والمدافعين عن الوطن، وحماة “أخوات نسيبة”.
ولكن بعد أن تمردوا عليهم، أصبحوا “عرب الشتات”!
بينما ممارسات الجنجويد التي يلومونهم عليها الآن، هي ذاتها التي تمت تحت سمعهم وبصرهم وبتعليماتهم وتدريبهم في أهل دارفور.

ألم يكن أهل دارفور بشرًا حينما قتلوا وشُرّدوا وقُصفوا بالبراميل المتفجرة؟ ألم يكونوا مسلمين يا “حماة الدين”؟! ألم يكونوا سودانيين؟!

وها نحن نعيش مرارة الانفصال مرة أخرى، بينما ما زالت ذكريات انفصال الجنوب تؤرقنا بتفاصيلها المؤلمة الحزينة، حينما أفقنا فجأة لنجد شوارع الخرطوم والولايات خالية من أبناء الجنوب.
وما زلت أذكر صدمتي حينما ذهبت لأودع صديقتي سوزي دوناتو دينق، وكيف انهرت وإياها بالبكاء عندما وجدتها قد جمعت أغراض منزلها استعدادًا لمغادرة الخرطوم بعد استفتاء الجنوب، الذي اختار الانفصال عن دولة الاستبداد والعنصرية.

سوزي التي وُلدت وعاشت ودرست في الخرطوم، حيث جمعتنا صداقة متينة في المرحلة المتوسطة مع أخريات من بنات الجنوب: كلارا، ومارثا، وإنجيل.
صداقة رأيت من خلالها جانبًا آخر من السودان الكبير، المتعدد الثقافات، الثري بتنوع أهله.
و كانت سوزي قد صوتت ضد الانفصال، بالرغم من أنها زوجة القيادي الانفصالي بالحركة الشعبية باقان أموم.

ضاع الجنوب جراء دجل الإخوان وادعائهم أن حربهم على أبناء جلدتنا في الجنوب كانت “جهادًا”، مستخدمين الدين في تجارة خبيثة لنشر الكراهية بين السودانيين، وارتكبوا أبشع الجرائم ضد الإنسانية في حق أبناء الجنوب الطيبين.

ذات المشهد يتكرر الآن!
وها نحن نتمزق مرة أخرى، ونفقد جزءًا عزيزًا آخر من وطننا، وتتكرر مأساتنا بالتقسيم.

أشعلوا هذه الحرب ليفلتوا من العقاب، ويحتفظوا بمسروقاتهم المنهوبة من هذا البلد، الذي أنهك إنسانه بالحروب والصراعات، التي تتسع دائرتها مع التقسيم بسبب التنوع والاختلافات.

الآن، وبعد أن وصلت الحرب إلى المركز وتلاحقت الأحداث تباعًا حتى وصلنا إلى انقسام جديد، أظن أنه حان الوقت لنفيق ونعترف بالخطأ التاريخي في تجاهل قضايا الهامش، التي كانت سببًا في كل الحروب منذ استقلال السودان.

وتجدد صراع الهامش بعد حرب المتأسلمين هذه، التي بدأت كصراع على السلطة، ثم تحولت إلى حرب عنصرية وجهوية بفعل خطاب الكراهية، وقانون العنصرية، والقتل على الهوية تجاه أبناء غرب السودان من حكومة الأمر الواقع.

الأمر الذي دفع ببعض القوى السياسية لإيجاد مخرج من الحصار، الذي ضُرب على أكبر تعداد سكاني في السودان، والذي يمثل ثلثي السودانيين إن لم يكن أكثر.

فكان التوقيع على الميثاق السياسي تمهيدًا لإعلان الحكومة الموازية، والذي أضاف إليه انضمام القائد عبد العزيز الحلو أهمية كبيرة، وهناك شبه إجماع من المراقبين على أنه ميثاق وحدوي، يؤسس لدولة مواطنة حقيقية إن طُبق بكل بنوده.

في بلاد يسود فيها قانون الغاب، حيث لا عدالة ولا مساواة، وغياب كامل للدولة بكل مؤسساتها، ولا صوت يعلو فيها سوى صوت المدافع وقصف الطيران.

في ظل هذه الأوضاع المعقدة، تتعامل بورتسودان باستهتار كبير مع تطورات الأحداث في نيروبي، بالرغم من أن الأمر قد يؤدي إلى تقسيم فعلي جديد للسودان.

بينما يظل هذا الرئيس القسري ممسكًا بتلابيب السلطة، غير مبالٍ بما يحدث كل يوم من تمزق وتفتيت للبلاد، ولا يهمه مواطنها، وهو غير معني بتوفير خبز أو ماء أو كهرباء، كما يفعل الرؤساء لشعوبهم!

يبحث فقط عن الشرعية بقوة السلاح، وعبر إنتاج المزيد من الميليشيات… لم يتعظ من تمرد أكبر ميليشياته، وهو ماضٍ في مشروع التجيش ونشر السلاح بين المواطنين، في مجتمع يعاني في الأساس من صراعات عميقة، ومظالم، واختلافات عرقية، مما يضعه، مع تعدد الجيوش هذا، على سطح صفيح ساخن قابل للانفجار في أي وقت!

تعليق 1
  1. غير معروف يقول

    كفيتي ووفيتي الراكزه العزيزه ندي هم في مسعي لتكرار نيفاشا اخري ولا يهم لو فضلت محلية خشم القربة يحكمو السودان من خلالها ولتدهب كل ولايات السودان الي دول الجوار تسلمي

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.