نهاية حرب، هل هي بداية حلم ووعد؟! (2)
- عين على الحرب
الجميل الفاضل
على أي حال، فإن واقع السودان الماثل الآن ربما يُملي على الأذهان أكثر من سؤال، كلما أعدنا مطالعة إشارة نبي الإسلام، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، التي هي إشارة موحية بحتمية الاستعانة بالسودان لاستكمال ثُلّة الإسلام. ففي سورة الواقعة، هناك مَعلمٌ أول، رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة، ورواه الحافظ ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، عن النبي (ﷺ): لما نزلت الآية: “فإذا وقعت الواقعة”، ذكر فيها “ثلة من الأولين وقليل من الآخرين”، قال سيدنا عمر بن الخطاب: “يا رسول الله، ثُلّة من الأولين وقليل منا؟”، فأمسك آخر السورة سنة، ثم نزل: “ثلة من الأولين وثلة من الآخرين”، فقال الرسول: “يا عمر، تعال فاسمع ما قد أنزل الله: “ثلة من الأولين وثلة من الآخرين”، ألا وإن من آدم إلى ثُلّة، وأمتي ثُلّة، ولن نستكمل ثُلّتنا حتى نستعين بالسودان من رعاة الإبل، ممن شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له”.
كما قد يبدو مُحيِّرًا أيضًا، كيف لرجل مدهش صدقت الأيام كثيرًا من توقعاته، أن يقول إن السودان هو مركز دائرة الوجود، وأنه أقرب نقطة وصل بين السماء والأرض، وأن حبه من حب الله.
هنا، بالضرورة، ينشأ سؤال: من أين يأتي للسودان، الذي تستهين به الدول وتزدريه أعين الناس، هذا المقام الرفيع؟
إلى الآن، فإن حال السودان ومقامه سيظل لغزًا نقرأ ونسمع عنه، وإن لم نرَ له تأثيرًا وقيامًا بدوره المرتجى هذا على الأرض.
لكن تظل الودائع مطوية هكذا في الخلائق، إلى حين مجيء أوقاتها. إذ أن مثل هذه الودائع المكنونة يُخْبِئها القدر دائمًا طي الكتمان، ويصرف عنها الأنظار، إلى حين مجيء وقتها تمامًا.
المهم، فإن هذا الضرب من الصرف والانصراف عن السودان قد حدث بالفعل، رغم أن رسالات السماء كلها وكتبها لم تخلُ من إشارة إلى معنى وقيمة وأثر للسودان، الذي تمت الإشارة إليه بطريقة أو بأخرى في الأسفار التوراتية، وبعض الأناجيل، وكذلك في السنة النبوية، عطفًا على آيات قرآنية أو دونها.
انظر كيف أن السودان ومترادفات تشير إليه قد وردت في العهد القديم “التوراة” بأكثر من خمس وعشرين موضعًا.
ومنها بدا لافتًا جدًا أن التوراة تُثمن عاليًا روحانية شعب كوش، الذي تشيد ببسالته في الحروب، وتصفه بالمهابة بين كل الشعوب، مقرظة طول قاماتهم وجمال بشرتهم الناعمة (الداكنة).
حيث ورد في سفر إشعياء، الإصحاح الثامن عشر:
“يا أرض حفيف الأجنحة التي عبر أنهار كوش، المرسلة رسلًا في البحر وفي قوارب من البردي على وجه المياه. اذهبوا أيها الرسل السريعون إلى أمة طويلة وجرداء، إلى شعب مخوف منذ كان فصاعدًا، أمة قوة وشدة ودوس، قد خرقت الأنهار أرضها، يا جميع سكان المسكونة وقاطني الأرض، عندما ترتفع الراية على الجبال تنظرون، وعندما يُضرب بالبوق تسمعون، لأنه هكذا قال لي الرب: إني أهدأ وأنظر في مسكني كالحر الصافي على البقل، كغيم الندى في حر الحصاد، فإنه قبل الحصاد، عند تمام الزهر، وعندما يصير الزهر حصرمًا نضيجًا، يُقطع القضبان بالمناجل، ويُنزع الأفنان ويُطرحها، تُترك معًا لجوارح الجبال ولوحوش الأرض، فتصيف عليها الجوارح، وتُشتي عليها”.
وتُسجل التوراة أيضًا بعض الأحداث التي تُمجّد تاريخ ملوك “كوش” الذين حكموا مصر وحاربوا الآشوريين في مصر وفلسطين.
ومنهم بالطبع تهراقا العظيم، الذي وردت الإشارة إليه بالاسم مرتين في التوراة، مرة في سفر الملوك الثاني، ومرة في سفر إشعياء.
تصوّر عندما كان الآشوريون “حكام مملكة بابل” على أبواب “أورشليم”، دعا النبي إشعياء الرب أن يحفظ شعبه منهم، وأن يعينهم بملوك كوش، ليصدوا عن العبرانيين شر الآشوريين، الذين شكلوا خطرًا ماحقًا آنذاك على دول المنطقة.
ويؤيد التاريخ إشارة التوراة إلى الملك تهراقا، ويخبرنا أن ملوك كوش قد أخضعوا مصر وحكموها، قبل أن يمتد نفوذهم إلى فلسطين وسوريا، بعد أن حاربوا الآشوريين في مصر والقدس.
ومن أشهر أولئك الملوك السودانيين كان بعانخي وتهراقا بالطبع.
-يتبع-