منظمة هيومن رايتس ووتش تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة: هل هي جريمة حرب؟

تقرير خاص – الغد السوداني

 

في تقرير جديد أثار جدلاً واسعاً، اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية إسرائيل بارتكاب “أعمال إبادة جماعية” ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، في سياق الحرب الدائرة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس. هذه الاتهامات تتعلق خصوصاً بتدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في القطاع، وهو ما أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة. ولكن كيف تتسلسل هذه الاتهامات في إطار القانون الدولي؟ وهل يمكن اعتبار هذه الأفعال جريمة إبادة جماعية وفقاً للمعايير المعتمدة دولياً؟

 

الحصار المائي: خطوة من خطوات الإبادة؟

منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، فرضت إسرائيل قيوداً مشددة على وصول سكان قطاع غزة إلى المياه الصالحة للشرب. هذا التقرير الذي أعدته “هيومن رايتس ووتش” يعكس واحدة من أخطر النتائج الإنسانية للحرب، حيث أكدت المنظمة الحقوقية أن الممارسات الإسرائيلية في قطع المياه أدت إلى وفاة الآلاف من المدنيين، ولا يزال الوضع الراهن يهدد بالمزيد من الخسائر البشرية.

 

وفقاً للتقرير، فقد أوقفت إسرائيل ضخ المياه إلى غزة، وعطلت منشآت المياه والصرف الصحي بشكل كامل. كما تقيّد وصول الوقود والمواد الضرورية لضمان استمرار تشغيل هذه المنشآت، ما جعل الوضع الصحي والإنساني في غزة يزداد تعقيداً.

 

تقرير هيومن رايتس ووتش: تحليل استناداً إلى شهادات وبيانات قاطعة

أعد التقرير بعد عام من البحث المتعمق، الذي شمل مقابلات مع السكان المحليين، موظفي المياه والصرف الصحي، وأطباء ومسعفين. كما تم الاعتماد على صور بالأقمار الاصطناعية والبيانات الحديثة للتحقق من حجم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الحيوية. النتيجة كانت محورية في التوصيف القانوني: تشير المنظمة إلى أن إسرائيل قد تكون قد ارتكبت أفعالاً تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية وفقاً لتعريفات القانون الدولي.

 

رد فعل إسرائيل: “افتراءات لا أساس لها”

ردت إسرائيل على هذا التقرير بشكل قاطع، واصفة إياه بـ “الافتراء”. ووفقاً لبيان وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإن ما نشرته “هيومن رايتس ووتش” يتضمن “أكاذيب مروعة” تهدف إلى تقويض شرعية العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة. الوزارة أكدت أن هذه العمليات العسكرية تندرج ضمن إطار الدفاع عن النفس ضد الهجمات الإرهابية من حماس، وأنه يتم تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة وفقاً للضوابط الأمنية.

 

الأبعاد القانونية والسياسية: هل يمكن تصنيف هذه الأفعال كإبادة جماعية؟

في إطار القوانين الدولية، يعتبر إثبات “الإبادة الجماعية” تحدياً كبيراً، حيث يتطلب ذلك دلائل واضحة على النية المتعمدة لإبادة مجموعة معينة من البشر. تقرير “هيومن رايتس ووتش” لم يصل إلى تصنيف قاطع بأن هذه الأفعال تمثل إبادة جماعية، لكنه أشار إلى وجود نية متعمدة تلمح إلى حدوث إبادة جزئية للفلسطينيين في غزة، استناداً إلى تصريحات لمسؤولين إسرائيليين.

 

تستمر الأبحاث القانونية في تحديد ما إذا كانت هذه الأفعال تعد جريمة إبادة جماعية كاملة، أم مجرد جزء من صراع أكبر ضمن مجريات الحرب القائمة.

 

ردود الفعل الدولية: توجيه الأنظار نحو المجتمع الدولي

المنظمة طالبت المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية للحد من الضرر المتزايد في غزة، مشددة على ضرورة حظر الأسلحة وإعادة النظر في الدعم المقدم لإسرائيل. وتأتي هذه الدعوات في وقت يزداد فيه الضغط على الحكومات الغربية، خاصة تلك التي تقدم الدعم العسكري لإسرائيل.

 

تعد هذه القضية مثالاً حيّاً على تعقيدات الصراع في الشرق الأوسط، وأبعاد الحرب التي تتجاوز ساحات المعارك لتصل إلى القضايا الإنسانية الحاسمة. مع استمرار المعاناة في غزة، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى صحة الاتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية، وما إذا كان العالم سيستجيب بشكل كافٍ للنداءات المتزايدة من أجل وقف معاناة المدنيين الفلسطينيين.