الحرب والثورة: كيف تغيرت معادلة الزخم الثوري بعد ست سنوات من ديسمبر؟

محجوب عيسى

صحفي سوداني

مع حلول الذكرى السادسة لثورة ديسمبر، التي أطاحت بنظام عمر البشير بعد 30 عامًا من الحكم، لا تزال أهداف الثورة السودانية تواجه تحديات كبرى. فبين هدير الطائرات وأصوات المدافع، يعيش السودانيون واقعًا مغايرًا تمامًا لطموحاتهم التي ارتفعت يوم خرجوا يهتفون “حرية، سلام، وعدالة”.

اندلعت الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، ما أدى إلى تغيير جذري في أولويات الشارع السوداني، وعرقلة تحقيق أهداف الثورة. ومع إحياء ذكرى 19 ديسمبر، التي تتزامن مع إعلان استقلال السودان، بات السؤال المطروح: هل لا تزال أهداف الثورة ممكنة التحقيق؟

 

تحولات جوهرية في المشهد السياسي

يرى القيادي بحزب الأمة القومي، عروة الصادق، أن الحرب أعادت تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي، محدثة تحولات عميقة أثرت بشكل مباشر على الزخم الثوري. يقول الصادق: “تشتيت القوى الثورية، وتحول الأولويات من المطالبة بالديمقراطية إلى البقاء على قيد الحياة، أضعف الحراك الثوري بشكل ملحوظ”.

 

ويؤكد الصادق أن استعادة وحدة الشارع تتطلب قيادة موحدة ورؤية واضحة، مشددًا على أهمية دور المجتمع الدولي في الضغط لتحقيق توافق بين الأطراف المختلفة. وأضاف: “استمرار الحرب قد يعيد تشكيل التحالفات السياسية والاجتماعية، وربما يُنتج قوى جديدة تسعى للوساطة بين الأطراف المتنازعة”.

 

ذكرى هادئة في ظل العنف

المحلل السياسي، الفاتح محجوب، يشير إلى أن ذكرى الثورة تمر بهدوء في ظل اشتداد المعارك في دارفور وكردفان والخرطوم. يقول محجوب: “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لكن متى ما وضعت الحرب أوزارها، ستعود المطالب الديمقراطية للواجهة”.

 

ويرى محجوب أن الشارع السوداني لا يزال يدعم الجيش بسبب تجاوزات قوات الدعم السريع، التي شملت القتل والنهب والاغتصاب، مشيرًا إلى أن استعادة الزخم الثوري تتطلب توافقًا بين الأحزاب حول الانتخابات والدستور.

 

قوى الثورة بين المقاومة والسياسة

كمال كرار، القيادي بالحزب الشيوعي، يعتبر أن الحرب تهدف إلى تصفية قوى الثورة وإعادة إنتاج نظام الحكم القديم. لكنه يؤكد أن قوى الثورة لم تتوقف عن نشاطها، مشيرًا إلى دورها في العمل الإنساني والسياسي. يقول كرار: “رغم الحرب، لا تزال قوى الثورة حاضرة في التكايا ودور الإيواء، وتعمل على توحيد الشارع من خلال جبهة جماهيرية تضغط لوقف الحرب”.

 

ويعتقد كرار أن ذكرى الثورة السادسة ستكون فرصة لإحياء الزخم الثوري داخل وخارج السودان، مؤكدًا أن اليوم التالي للحرب سيكون يومًا لاستعادة الشارع لثورته.

 

الواقع الإنساني وغياب المطالب السياسية

الناشط، عثمان أحمد، يصف تأثير الحرب على الزخم الثوري بأنه عميق، مشيرًا إلى أن الأولويات الشعبية تحولت نحو العمل الإنساني. يقول أحمد: “الظروف الاقتصادية القاسية والانتهاكات المستمرة فرضت على الشارع السوداني الانشغال بالمساعدات الإنسانية بدلاً من المطالبة بالحكم الديمقراطي”.

 

ويضيف أن إعادة توحيد الشارع الثوري تحتاج إلى تنظيم ووقت كافٍ، مؤكدًا أن تغيير معادلة القوى يعتمد على مواقف الدول الإقليمية والدولية من أطراف الحرب.

 

إلى أين يتجه السودان؟

مع استمرار الحرب، تظل فرص استعادة الزخم الثوري قائمة لكنها مرهونة بجهود قوى الثورة والمجتمع الدولي. وبينما تمضي ذكرى ثورة ديسمبر في أجواء من القلق، يتطلع السودانيون إلى يوم يعلو فيه صوت الحرية فوق أزيز الرصاص.