من الخرطوم إلى دمشق: مأساة شعبين تجمعهما بندقية الحرب وتفرقهما السياسة
لون الحقيقة
في مشهد يتكرر عبر العقود والأزمنة، تقف الشعوب في السودان وسوريا أمام فوهة البندقية، تدفع ثمن صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل. هي صرخة مكتومة، لا تصل إلا متأخرة إلى آذان العالم، لتكشف حجم المأساة والخراب الذي أحدثته الحروب والنزاعات المسلحة. وبين البلدين، تتشابه المعاناة وإن اختلفت التفاصيل، فالسودانيون والسوريون اليوم يواجهون الموت، النزوح، واللجوء، بينما تظل الأحلام بالتغيير والسلام مؤجلة.
السودان: صراع مستمر وآمال متلاشية
ظل السودان لعقود ميداناً لصراعات متداخلة، تنوعت أسبابها بين العرقية، الدينية، والسياسية. وفي كل مرة تكون يد الاسلاميون على الزناد، من دارفور إلى الخرطوم. ولكن أكثر هذه الصراعات شراسة هو النزاع الأخير الذي اندلع في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع. القتال لم يتوقف، والمدنيون هم من يدفعون الثمن الأكبر.
تسببت الاشتباكات في مقتل آلاف السودانيين وتشريد الملايين داخلياً وخارجياً. المدن الكبرى، مثل الخرطوم، تحولت إلى أطلال وساحات معارك ضارية، حيث تهاوى النظام الصحي، وتلاشت الخدمات الأساسية، وأصبح الوصول إلى الغذاء والماء ضرباً من الترف.
هذا الواقع المأساوي ألقى بظلاله على المجتمع السوداني الذي كان يحلم بالانتقال إلى الديمقراطية عقب الثورة التي أطاحت بنظام الإخوان في 2019. لكن الأحلام انكسرت أمام رصاص الأطراف المتصارعة، لتظل البلاد غارقة في دوامة الحرب.
سوريا: مأساة مستمرة منذ أكثر من عقد
في سوريا، لا تزال أصداء الحرب التي بدأت في 2011 ترسم ملامح المشهد. ثورة بدأت سلمية تطالب بالحرية والكرامة، سرعان ما تحولت إلى صراع إقليمي ودولي على أرض واحدة. اليوم، سوريا بلد مدمر، يعاني شعبها من تبعات حرب لم تترك شيئاً إلا ودمرته.
أكثر من نصف الشعب السوري نازحون أو لاجئون، فيما يرزح الباقون تحت وطأة أزمات اقتصادية خانقة في مناطق سيطرة متناحرة. وبينما يُستخدم ملف اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية، يبقى ملايين السوريين محرومين من العودة إلى ديارهم التي أصبحت أطلالاً.
أما الأطفال، وهم الأكثر تأثراً، فباتوا جيلاً كاملاً فاقداً للتعليم والطفولة، يحمل ذاكرة مليئة بالمآسي.
الشعوب في مواجهة السلاح
رغم اختلاف السياقات التاريخية والسياسية بين السودان وسوريا، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو معاناة الشعوب. تلك الشعوب التي وجدت نفسها رهينة لحسابات سياسية وعسكرية، تتجاوز حدود الوطن.
يبدو العالم متفرجاً أمام هذه المآسي، مكتفياً بإصدار بيانات الإدانة وتقديم مساعدات إنسانية لا تغطي الحد الأدنى من الاحتياجات. وحتى عندما تتحرك الدول الكبرى، فإنها تفعل ذلك لتحقيق مصالحها، وليس لإنهاء معاناة الضحايا.
متى ينتصر السلام؟
يبقى السؤال الذي يردده السودانيون والسوريون هو: متى ينتهي هذا الكابوس؟ متى ينتصر صوت السلام على ضجيج البنادق؟
في عالم تبدو فيه المآسي البشرية مادة للتنافس السياسي، يظل الأمل قائماً في أن تستيقظ الضمائر، ليُمنح هؤلاء الشعوب حقهم في الحياة الكريمة، بعيداً عن الرصاص والدمار.
لكن إلى أن يتحقق ذلك، ستظل صرخات الشعوب تتردد في صمت، في انتظار عالم أكثر عدالة وإنسانية.