أزمة جزيرة توتي: من انقطاع الغاز إلى حرق الأثاث للطهي
«بين الحياة والموت» حصار الحرب يهدد الحياة اليومية
تواجه جزيرة توتي، الجوهرة النيلية الواقعة في قلب العاصمة السودانية، الخرطوم، أزمة إنسانية خانقة بسبب الحرب المستمرة التي فرضت حصاراً خانقاً على سكانها. ففي ظل انقطاع إمدادات الغاز والمواد الغذائية، لجأ الأهالي إلى حلول قاسية للحفاظ على حياتهم وسط انعدام الخدمات والمواد الأساسية.
مع انهيار سلاسل الإمداد، لم تعد وسائل الطبخ الحديثة متاحة، واضطر العديد من الأسر إلى إحراق أثاثهم الخشبي، بما في ذلك دواليب الملابس، لإشعال النار وإعداد الطعام. محمد جادين، أحد سكان الجزيرة وأحد المهتمين بقضاياها، يقول لـ«الغد السوداني»: “لم نتخيل يوماً أن نصل إلى هذا الوضع، نحرق ما تبقى من خشب المنازل للطهي بعدما انقطع الغاز والفحم.”
هذه الكارثة لم تقتصر على نقص الوقود والمواد الغذائية فقط، بل امتدت إلى أزمة مياه خانقة. مع توقف محطة المياه في المقرن بسبب الحرب، حُرم سكان الجزيرة من الوصول إلى المياه النظيفة. وتعمقت الأزمة بعد منعهم من استخدام مياه النيل كبديل. يقول محمد: “لم يكن أمامنا سوى الاعتماد على محطة صغيرة داخل توتي تعمل فقط عندما يتوفر الوقود الذي يأتي من قوات الدعم السريع.”
فرضت قوات الدعم السريع سيطرتها على الجزيرة، وقسمتها إلى قطاعات تخضع لإشرافها. مع تراجع القوات الحكومية التي كانت قد اقتربت من المنطقة، تكبد سكان توتي معاناة إضافية مع عمليات النهب والسلب، حيث اتُهم الأهالي بالترحيب بتقدم الجيش عبر جسر الطبي. هذا الوضع أدى إلى شلل تام للحياة في الجزيرة.
تعيش توتي تحت حظر تجوال صارم يبدأ من الساعة الرابعة عصراً، مما يجبر السكان على الاحتماء في منازلهم خشية الاعتقال أو التعرض للعنف الجسدي من القوات المسيطرة. ويصف محمد جادين الوضع قائلاً: “منذ الساعة الرابعة مساءً، تتوقف الحياة هنا. الجميع يسجنون في منازلهم، ومن يحاول الخروج يواجه الخطر.”
نداءات الاستغاثة لم تتوقف، فقد وجه سكان توتي العديد من النداءات للمجتمع المحلي والدولي، مطالبين بتدخل عاجل لتوفير الطعام والمياه والدواء. توقفت “التكايا” الخيرية التي كانت تقدم بعض الدعم للأهالي، وتوقفت العيادة الوحيدة التي كانت تقدم الرعاية الطبية. ومع استمرار الأزمة، بات الموت جوعاً أو مرضاً يهدد حياة كل فرد في الجزيرة.
تعود جزيرة توتي إلى القرن السادس عشر الميلادي، وتعتبر من المواقع التاريخية المهمة في ولاية الخرطوم، إذ تمتد على مساحة 950 فداناً في نقطة التقاء النيلين الأبيض والأزرق. على الرغم من هذا الإرث التاريخي العريق، إلا أن الحروب والدمار ألقيا بظلالهما القاتمة على حياة سكانها، الذين يواجهون اليوم أزمة لم يشهدوها منذ قرون.
وأشار يوسف عمر لـ«الغد السوداني» إن بعد الحصار المفروض على جزيرة توتي نتيجة الحرب، لجأ السكان إلى قطع الأشجار لاستخدامها كوسيلة للبقاء وسط الظروف المأساوية. مع انقطاع الإمدادات الأساسية مثل الغاز والكهرباء، أصبحت الأشجار المورد الوحيد لتوفير الوقود والطاقة اللازمة للطبخ والتدفئة. هذا التصرف الضروري نتج عن الظروف القاسية التي فرضتها الحرب، لكنه أضاف عبئاً بيئياً جديداً على الجزيرة. فالغطاء النباتي الذي كان يحمي البيئة الطبيعية تعرض لخطر التدهور، مما يهدد بتفاقم المشكلات البيئية في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، أثر نقص الموارد على حياة السكان الذين باتوا يكافحون من أجل توفير احتياجاتهم الأساسية، ما جعلهم بين خيارين صعبين: الحفاظ على البيئة أو تأمين سبل العيش الضرورية.
وأعلنت لجان مقاومة الخرطوم عن إطلاق حملة إعلامية لكشف معاناة سكان جزيرة توتي، المحاصرين وسط انتهاكات تحول دون مغادرتهم إلا بدفع إتاوات مرهقة. وأكدت اللجان، في تصريح لـ«الغد السوداني» أن الهدف من الحملة هو تسليط الضوء على هذه الانتهاكات وتأمين ممر آمن للمدنيين. كما وجهت مناشدة للجنة الدولية للصليب الأحمر للإشراف على عملية الإجلاء، لضمان الحيادية ومنع المزيد من الانتهاكات.
في ظل غياب أفق للحل، يظل السؤال قائماً: إلى متى ستستمر معاناة سكان جزيرة توتي بين الحياة والموت؟