تحت الأرض لا في تايمز سكوير: ممداني يقسم اليمين عمدة لنيويورك ويعلن كسر البروتوكول

نيويورك/ الغد السوداني، وكالات – بين ضجيج العدّ التنازلي في تايمز سكوير، وتحت طبقات الإسفلت والخرسانة، يختار زهران ممداني أن يبدأ عهده من مكان منسيّ. ليلة رأس السنة، سيؤدي عمدة نيويورك المنتخب اليمين الدستورية داخل محطة مترو مهجورة تعود لبدايات القرن العشرين، في مشهد رمزي يتعمد كسر البروتوكول وإعادة تعريف السلطة من “تحت الأرض”.
صحيفة الغارديان كشفت أن المراسم ستُقام بشكل خاص داخل المحطة الواقعة أسفل مبنى البلدية، التي افتُتحت عام 1904 وأُغلقت عام 1945، بالتزامن مع احتشاد عشرات الآلاف لاستقبال عام 2026 في قلب مانهاتن. اختيار المكان، وفق ممداني، رسالة سياسية بقدر ما هو فعل احتفالي: إعلان “بداية عصر جديد” يستعيد طموح حقبة أرادت مدينة عادلة للطبقة العاملة، لا واجهة براقة للأثرياء فقط.
المشهد غير التقليدي يترافق مع حضور سياسي ثقيل: المدعية العامة لولاية نيويورك ليتيشيا جيمس ستتولى تحليف ممداني في المراسم المغلقة، على أن يُعاد القسم علناً لاحقاً أمام مبنى البلدية بحضور السيناتور التقدمي بيرني ساندرز، ثم احتفال شعبي في شارع برودواي.

جيمس رأت في المترو “أعظم رمز للمساواة” في المدينة، 
قائلة: “نختلف كأفراد، لكننا جميعاً نركب القطار نفسه”—خلاصة الرؤية التي يسعى العمدة الجديد لترسيخها.

تنصيب خارج الأضواء… ورسائل إلى المدينة

بينما سيحتفل الآلاف في تايمز سكوير سيؤدي ممداني اليمين الدستورية تحت الأرض (شترستوك)
بينما سيحتفل الآلاف في تايمز سكوير سيؤدي ممداني اليمين الدستورية تحت الأرض (شترستوك)

اختيار محطة مهجورة، بينما تتجه الأنظار إلى تايمز سكوير، ليس تفصيلاً. هو بيان سياسي ضد “مركزية العرض” وضد سياسات يرى ممداني أنها دفعت نيويورك لتصبح مدينة تخدم الأغنياء. هكذا يريد أن يفتتح ولايته: بعيداً عن المنصات، قريباً من الناس.
من يحضر ومن يتردد؟
تباينت مواقف قادة المدينة من حضور حفل التنصيب. العمدة السابق بيل دي بلاسيو أكد مشاركته، فيما أبقى كل من مايك بلومبرغ ورودولف جولياني موقفهما معلّقاً. أما العمدة المنتهية ولايته إريك آدامز، ففضّل التريث، متحدثاً عن رغبته في عدم إثارة توتر أو احتجاجات في يوم وصفه بـ“التاريخي”، رغم ترحيب ممداني بحضوره.

جدل مبكر في الأيام الأولى

بالتوازي، فجّر ممداني جدلاً بعد تعيينه، القيادية المخضرمة في خدمات الطوارئ الطبية، على رأس إدارة إطفاء نيويورك. الملياردير إيلون ماسك انتقد القرار بدعوى “أهمية الخبرة المثبتة”، فيما دافع ممداني عن اختياره مؤكداً أن خبرة بونسينيوري الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود في العمل الميداني تجعلها مؤهلة لقيادة واحدة من أكثر مؤسسات المدينة حساسية.

من هو زهران ممداني؟

زهران ممداني سياسي أميركي من أصول هندية، وُلد عام 1991 في كمبالا ونشأ بين كيب تاون ونيويورك، ونال الجنسية الأميركية عام 2018. هو نجل الأكاديمي محمود ممداني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبيا، والمخرجة العالمية ميرا ناير.
برز اسمه داخل التيار الاشتراكي الديمقراطي في الحزب الديمقراطي، واشتهر بمواقفه التقدمية ودعمه العلني للقضية الفلسطينية، ليصبح أول عمدة مسلم في تاريخ نيويورك.
نشأة متعددة القارات
تنقّل ممداني في طفولته بين أفريقيا والولايات المتحدة، وهو ما صاغ رؤيته العابرة للهويات الضيقة. تأثر بفكر والده النقدي وبسينما والدته المنحازة للهامش، فكان انحيازه المبكر لقضايا العدالة الاجتماعية.
التعليم وبدايات النشاط
تلقى تعليمه في المدارس العامة، وتخرج في مدرسة برونكس الثانوية للعلوم، ثم نال بكالوريوس الدراسات الأفريقية عام 2014. خلال دراسته، شارك في تأسيس أول فرع لحركة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، وأسهم في حملات يسارية تطالب بتوسيع التأمين الصحي.

من الراب إلى السياسة

قبل السياسة، عُرف ممداني في مشهد موسيقى الراب باسم “السيد هيل”. ثم انخرط في العمل الميداني، خصوصاً في قضايا السكن ومنع حجز المنازل، وهي التجربة التي دفعته للترشح لمنصب عام، بعدما خلص إلى أن أزمة السكن “نتاج سياسات متعمدة”.
صعود داخل الحزب الديمقراطي
انضم عام 2017 إلى “الاشتراكيون الديمقراطيون في أميركا”، وفاز عام 2020 بمقعد في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، ليكون ثالث مسلم يتولى هذا المنصب. عُرف بانتقاداته الحادة لإسرائيل ووصفه حرب غزة بـ“الإبادة الجماعية”، ما أكسبه شعبية واسعة لدى المسلمين والتقدميين، مقابل هجوم عنيف من جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل.
حملة “نيويورك التي يمكن تحملها”
في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلن ترشحه لمنصب العمدة بشعار واضح: مدينة يمكن العيش فيها. ركز على وقف ارتفاع الإيجارات، نقل عام مجاني، وفرض ضرائب على الشركات الكبرى.
فاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في يونيو/حزيران 2025، ثم حسم السباق النهائي في نوفمبر/تشرين الثاني، متقدماً بأكثر من مئة ألف صوت، ليصبح أول عمدة مسلم وأصغر من يتولى المنصب منذ قرن.

الهوية تحت الاختبار

واجه ممداني حملة اتهمته بـ“استغلال هويته الإسلامية”، لكنه تعهد بالتمسك بها. في خطاب مؤثر خارج مسجد في برونكس، تحدث عن الإسلاموفوبيا وتجارب الخوف بعد 11 سبتمبر، قائلاً إن العدالة في نيويورك لا تنفصل عن العدالة في العالم.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.