من الفاشر إلى الدبة: الأقمار الاصطناعية ترصد نزوحاً متسارعاً ومدينة توصف بـ«مسرح جريمة»

الخرطوم ، الغد السوداني ـ في وقتٍ تتكثف فيه مؤشرات الانهيار الإنساني بالسودان، تكشف صور أقمار اصطناعية حديثة عن تمدد صامت لمخيمات نزوح جديدة في شمال دارفور والولاية الشمالية، بالتوازي مع رواية أممية قاتمة عن مدينة الفاشر التي وُصفت بأنها «مسرح جريمة» يكاد يخلو من أي ملامح للحياة، بعد إحكام قوات الدعم السريع سيطرتها عليها.

مراكز إيواء مكتظة

صور مخيم "قرني" بولاية شمال دارفور غربي السودان يوم 14 ديسمبر الماضي (Planet Labs PBC)
صور مخيم “قرني” بولاية شمال دارفور غربي السودان يوم 14 ديسمبر الماضي (Planet Labs PBC)

وأظهر تحليل أجرته وحدة التحقيقات الرقمية في شبكة الجزيرة (سند) تحوّل مساحات واسعة إلى مراكز إيواء مكتظة، مع نشوء مخيم نزوح جديد في بلدة قرني شمال غربي الفاشر، عقب سقوط المدينة في أيدي قوات الدعم السريع في 26 أكتوبر الماضي.
وتبيّن صور الأقمار الاصطناعية، الملتقطة بين 25 أكتوبر و29 ديسمبر، نمواً متسارعاً للمخيم، إذ بلغت مساحته نحو 186 ألف متر مربع في 14 ديسمبر، قبل أن تتوسع خلال أسبوعين فقط إلى 199 ألف متر مربع.

تدفق النازحين مع تصاعد القتال

وعلى مسافة تقارب 700 كيلومتر شمالاً، تكشف صور أخرى عن توسّع كبير في مخيم العفاض شرقي مدينة الدبة بالولاية الشمالية، مع تدفق نازحين منذ مطلع نوفمبر. فبعد أن كانت مساحته تقدر بنحو 130 ألف متر مربع في 19 نوفمبر، قفزت إلى أكثر من 500 ألف متر مربع بحلول 29 ديسمبر، في مؤشر على تصاعد حركة النزوح من مناطق القتال.
وتقدّر الأمم المتحدة فرار نحو 100 ألف شخص من مدينة الفاشر وحدها منذ نهاية أكتوبر، في واحدة من أكبر موجات النزوح الداخلي خلال الأشهر الأخيرة، ضمن حرب اندلعت في أبريل 2023 وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد قرابة 13 مليون شخص.

صورة لمخيم العفاض بالولاية الشمالية في السودان يوم 29 ديسمبر الجاري (Planet Labs PBC)
صورة لمخيم العفاض بالولاية الشمالية في السودان يوم 29 ديسمبر الجاري (Planet Labs PBC)

«لا أثر للحياة» في الفاشر

في السياق ذاته، قالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان دينيس براون إن موظفي الإغاثة الدوليين، الذين تمكنوا من دخول الفاشر للمرة الأولى منذ سيطرة قوات الدعم السريع عليها، وجدوا مدينة «مهجورة إلى حد كبير»، لا يظهر فيها سوى عدد محدود من الأشخاص يحتمون داخل مبانٍ خالية أو تحت أغطية بلاستيكية بدائية.
وأضافت براون أن التقديرات تشير إلى نزوح أكثر من 100 ألف شخص من المدينة بعد حصار استمر 18 شهراً، دفع الفاشر إلى «براثن المجاعة». ونقلت عن ناجين إفادات بوقوع عمليات قتل جماعي بدوافع عرقية واعتقالات واسعة، مع بقاء مصير عدد كبير من السكان مجهولاً، وفق ما أوردته وكالة رويترز.
ووَصفت براون الفاشر بأنها «مسرح جريمة»، قائلة إن الزيارة التي استمرت ساعات، الجمعة الماضية، لم تُظهر سوى «عدد قليل جداً» من الناس، بعضهم يعيش داخل مبانٍ مهجورة، وآخرون في مخيمات عشوائية من أغطية بلاستيكية.

وأشارت إلى وجود سوق صغير يعمل بحده الأدنى، بمنتجات شحيحة معظمها خضروات محلية، فيما بدت على من التقتهم فرق الإغاثة «آثار التعب والإجهاد والقلق والفقد».

كشفت صور أقمار اصطناعية التقطها مختبر ييل للأبحاث الإنسانية في 16 ديسمبر عن مؤشرات لإزالة جثث داخل المدينة،
مقابل «علامات قليلة جداً على وجود حياة».

ورُصد طاقم طبي في المستشفى السعودي – الذي تقول منظمة الصحة العالمية إنه شهد مذبحة راح ضحيتها 460 شخصاً – من دون توفر أي إمدادات طبية، فيما بدت القرى المحيطة بالفاشر «مقفرة».
وأكدت براون أن الأمم المتحدة ما زالت «قلقة بشدة» حيال المصابين والمفقودين والمحتجزين المحتملين، مشيرة إلى أن الزيارات المقبلة ستركز على تقييم أوضاع المياه والصرف الصحي، تمهيداً لإدخال الحد الأدنى من الإمدادات المنقذة للحياة، إذا ما توفرت ضمانات المرور الآمن.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.