شمس الدين كباشي… (بروفايل) الرجل الثاني في الجيش السوداني وسط أنباء الإحالة للتقاعد

الخرطوم، الغد السوداني – في ظل الحرب المستمرة في السودان منذ أبريل 2023، تتزايد المؤشرات على تصدعات داخل هرم القيادة العسكرية، مع تداول أنباء عن إحالة الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، نائب القائد العام للقوات المسلحة وعضو مجلس السيادة، إلى التقاعد. خطوة – إن تأكدت – لا يمكن فصلها عن صراعات النفوذ داخل المؤسسة العسكرية، ولا عن مسار الحرب التي أعادت رسم موازين القوة، ودفعت بشخصيات نافذة إلى واجهة التساؤل: من يحكم الجيش… ومن يُقصى بصمت؟

شمس الدين كباشي… الرجل الذي خرج من الظل ليعود إليه؟

ليس اسم شمس الدين كباشي طارئًا على المشهد السوداني. منذ سقوط نظام عمر البشير في أبريل 2019، تحول الرجل من ضابطٍ رفيع داخل المؤسسة العسكرية إلى أحد أكثر وجوهها السياسية حضورًا، متحدثًا باسم المجلس العسكري، ومفاوضًا شرسًا في كواليس الانتقال، ثم شريكًا أساسيًا لعبد الفتاح البرهان في إدارة الدولة والحرب.

لكن الأنباء التي أوردتها صحيفة الراكوبة، نقلًا عن مصادر وصفتها بـ«شبه المؤكدة»، حول إحالة كباشي إلى التقاعد، تفتح الباب واسعًا أمام قراءة أعمق: هل نحن أمام إجراء إداري طبيعي؟ أم أمام إعادة ترتيب قاسية داخل القيادة العسكرية في زمن الحرب؟

من أنقاركو إلى قمة القيادة

وُلد شمس الدين كباشي إبراهيم شنتو في الأول من يناير 1961، بقرية أنقاركو جنوب مدينة الدلنج في ولاية جنوب كردفان، في بيئة ريفية مشبعة بالإرث العسكري. فوالده كان جنديًا في لواء الهجانة، أحد أقدم تشكيلات الجيش السوداني، وهو ما ترك أثره المبكر على شخصية الابن، التي تشكلت بين الانضباط والتنقل الدائم.

تنقل كباشي في طفولته بين مدن وقرى كردفان، قبل أن يشق طريقه إلى الكلية الحربية السودانية (الدفعة 32)، حيث تخرج عام 1983 برتبة ملازم، في وقت كان السودان يدخل واحدة من أكثر فتراته دموية.

ضابط الميدان… وأستاذ القاعات

على مدى أربعة عقود، خدم كباشي في مسارح عمليات متعددة:

جنوب السودان قبل الانفصال، دارفور، النيل الأزرق، كردفان، وأعالي النيل.

لم يكن مجرد ضابط ميدان؛ فقد عمل أيضًا مدرسًا ومحاضرًا في مؤسسات عسكرية، بينها كلية القيادة والأركان، ما منحه صورة “الضابط المثقف” داخل الجيش.

في فبراير 2020، رُقي إلى رتبة فريق أول ركن، وعُين نائبًا للقائد العام للقوات المسلحة، ليصبح فعليًا الرجل الثاني بعد البرهان.

من المتحدث الرسمي إلى صانع القرار

برز اسم كباشي سياسيًا بعد سقوط البشير، حين أصبح الوجه الإعلامي للمجلس العسكري الانتقالي. لغته الحادة أحيانًا، والمباشرة دائمًا، جعلته أحد أكثر أعضاء المجلس إثارة للجدل.

شارك في مفاوضات شائكة مع قوى الحرية والتغيير، وكان حاضرًا في مفاوضات جوبا للسلام عام 2020، قبل أن يحتفظ بعضويته في مجلس السيادة حتى بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي أعاد العسكر إلى الواجهة الكاملة للسلطة.

الحرب… حين تتصدع الشراكات

منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، لعب كباشي دورًا محوريًا في إدارة العمليات العسكرية، خاصة من بورتسودان التي تحولت إلى عاصمة أمر واقع.

غير أن تقارير متكررة، منذ سبتمبر الماضي، تحدثت عن توتر مكتوم بينه وبين البرهان، على خلفية قرارات وملفات تُدار بعيدًا عن الشراكة التقليدية داخل القيادة. ومع تصاعد نفوذ دوائر ضيقة في الجيش، بدا أن بعض “الوجوه القديمة” لم تعد محصنة كما في السابق.

إحالة بلا بيان… وأسئلة بلا إجابات

حتى اللحظة، لم يصدر أي تعليق رسمي من القوات المسلحة يؤكد أو ينفي خبر الإحالة إلى التقاعد. هذا الصمت، في حد ذاته، يعكس طبيعة المرحلة:

مرحلة تُدار فيها القرارات الكبرى خلف الأبواب المغلقة، بينما تُترك الساحة للتسريبات، والتأويلات، وصراع الروايات.

إن صحت الأنباء، فإن خروج شمس الدين كباشي من المشهد لن يكون مجرد تغيير أسماء، بل مؤشرًا على تحول أعمق في بنية السلطة العسكرية، في بلد لم تعد فيه الرتب وحدها كافية لضمان البقاء.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.