إبستين أعاد «لوليتا» إلى الواجهة… لكن بلا قراء
واشنطن، الغد السوداني – مع كل عودة لقضية جيفري إبستين إلى الواجهة، يعود اسم رواية «لوليتا» لفلاديمير نابوكوف إلى التداول، لا بوصفها عملاً أدبياً إشكالياً فحسب، بل كرمز ثقافي جرى استدعاؤه في واحدة من أكثر قضايا الاستغلال الجنسي إثارة للصدمة في العصر الحديث.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل تحوّل هذا الجدل إلى زيادة فعلية في مبيعات الرواية أو تحميلها عبر الإنترنت؟ أم أن «لوليتا» حاضرة في العناوين فقط، غائبة عن رفوف القرّاء؟
«لوليتا» في قلب الفضيحة: كيف بدأ الربط؟
لم يكن اسم الرواية بعيداً عن قضية إبستين منذ البداية.
فالرجل الذي أدين بتجارة الجنس بالقاصرات، أطلق على طائرته الخاصة اسم “Lolita Express”، وفي وثائق وصور أُفرج عنها لاحقاً، ظهرت إشارات مباشرة إلى الرواية، بينها اقتباسات مكتوبة على أجساد نساء، ومراسلات تكشف عن هوسه بالعمل الأدبي.
هذا الربط أعاد «لوليتا» إلى النقاش العام، لا كعمل روائي معقّد عن السرد والذاكرة واللغة، بل كنص يُساء استخدامه لتطبيع العنف الجنسي.
جيفري إبستين: سيرة مختصرة وسقوط مدوٍ
وُلد جيفري إبستين عام 1953 في نيويورك، وبرز في الثمانينيات والتسعينيات كمدير أموال يتمتع بشبكة علاقات واسعة داخل النخب السياسية والمالية في الولايات المتحدة وخارجها. ورغم الغموض الذي أحاط دائماً بمصادر ثروته، استطاع إبستين بناء نفوذ اجتماعي مكّنه من الإفلات لسنوات من المساءلة الجدية.
في عام 2008، أُدين في قضية تتعلق بالاعتداء الجنسي على قاصرات، لكنه حصل على صفقة قضائية مخففة أثارت لاحقاً انتقادات واسعة. غير أن إعادة فتح الملف فدرالياً عام 2019، واعتقاله بتهم الاتجار الجنسي بالقاصرات، شكّلا نقطة التحول الحاسمة في قضيته.
في أغسطس (آب) 2019، عُثر على إبستين ميتاً داخل زنزانته في سجن مانهاتن أثناء انتظاره المحاكمة الفيدرالية. وبوفاته، توقفت الإجراءات القضائية ضده، ولم تُعقد له محاكمة كاملة أو يصدر بحقه حكم نهائي في التهم الجديدة.
ما الذي يجري اليوم؟ القضية بلا متهمها
رغم عودة اسم إبستين إلى الواجهة بشكل دوري، فإن ما يجري في الوقت الراهن ليس “جلسة محكمة لإبستين”، بقدر ما هو إجراءات قانونية وتحقيقات متفرعة تتعلق بالملفات، الوثائق، والشخصيات المرتبطة بقضيته.
الضجة لا تعني القراءة: ماذا عن المبيعات؟
رغم كثافة التغطية الإعلامية منذ 2019، ثم تجدّدها بقوة في 2024 و2025، لا توجد أي بيانات رسمية أو مستقلة تؤكد حدوث طفرة في مبيعات رواية «لوليتا».
لم تصدر دور النشر الكبرى (Penguin – Vintage) أي تقارير عن ارتفاع غير اعتيادي في المبيعات.
لا تظهر الرواية في قوائم “الأكثر مبيعاً” المرتبطة زمنياً بقضية إبستين.
مؤسسات رصد السوق مثل Nielsen BookScan لم تنشر أرقاماً تشير إلى موجة شراء جديدة.
النتيجة: الحديث عن “انتعاش مبيعات لوليتا” يظل انطباعاً ثقافياً لا حقيقة سوقية.
وماذا عن التحميل عبر الإنترنت؟
هنا تتعقّد الصورة أكثر.
سجّلت محركات البحث ارتفاعاً ملحوظاً في الاستفسارات المرتبطة بعبارات مثل:
- “Epstein Lolita”
- “Lolita meaning”
- “Nabokov abuse controversy”
لكن هذا الارتفاع لم ينعكس على عمليات بحث من نوع “شراء” أو “تحميل الرواية”.
حتى منصّات الأرشفة والكتب المفتوحة لم تسجّل قفزات واضحة في تحميل النص الأدبي نفسه، بقدر ما رصدت زيادة في الاطلاع على مواد تفسيرية، نقدية، وصحفية تتناول العلاقة بين الرواية والجريمة.
من النص إلى التهمة: كيف تغيّر موقع «لوليتا» ثقافياً؟
اللافت أن ما تغيّر فعلياً ليس موقع الرواية في السوق، بل موقعها في الوعي العام.
نقّاد وباحثون غربيون شددوا على أن:
إبستين لم “يفهم” الرواية بقدر ما استخدمها خارج سياقها.
تحويل «لوليتا» إلى رمز للفضيحة اختزل نصاً أدبياً معقّداً في قراءة أخلاقية سطحية.
هذا الاستدعاء أضرّ بالرواية ثقافياً، أكثر مما خدمها تجارياً.
بعبارة أخرى: «لوليتا» صارت موضوع اتهام، لا موضوع قراءة.
لماذا لم تتحوّل الفضيحة إلى رواج؟
بعكس روايات أخرى استعادت حياتها بعد أزمات سياسية أو اجتماعية (مثل 1984)، تواجه «لوليتا» ثلاثة عوائق رئيسية:
- حساسية الموضوع: القارئ المعاصر أكثر حذراً من نصوص قد تُفهم كتطبيع للأذى.
- تشويه السياق: الجدل يدور حول الجريمة، لا حول الأدب.
- زمن المنصّات السريعة: الاهتمام اللحظي لا يتحوّل بالضرورة إلى قراءة معمّقة.
ضجيج بلا قرّاء
يمكن القول إن قضية إبستين: “أعادت «لوليتا» إلى العناوين، لكنها لم تُعدها إلى قوائم المبيعات، ولم تخلق موجة قراءة جديدة.
الذي ازداد فعلاً هو الفضول، الجدل، وإعادة التأويل، لا الشراء أو التحميل.
لماذا يهم هذا القارئ العربي؟
لأن القضية تكشف كيف: “تُستدعى الأعمال الأدبية في سياق الجرائم. يُحمَّل النص ما لم يقله.
ويُختزل الأدب في محكمة الرأي العام”.
وهو سؤال يتجاوز «لوليتا»، ليطال علاقة الثقافة بالسلطة، والجريمة، والإعلام.
