تفكيك الثورة وتمكين السلاح!

قراطيس

عمار سليمان

الحرب الحالية في السودان ليست مجرد صراع بين طرفين مسلحين، بل هي انعكاس لمحاولة منظمة لإجهاض الثورة التي أطاحت بنظام عمر البشير في ديسمبر 2018. منذ اندلاع النزاع المسلح في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تبلورت الصورة بأن الهدف الرئيسي لهذا الصراع هو القضاء على المكتسبات الثورية وإعادة تمكين “الفلول” – أي بقايا النظام البائد – في الساحة السياسية. الحرب ليست سوى وسيلة لتحقيق ذلك الهدف، من خلال زعزعة الاستقرار الأمني ودفع المواطنين إلى فقدان الثقة في جدوى الثورة.

 

منذ بداية الحرب، لم يتوقف القصف عن تدمير حياة السودانيين؛ لم يسلم بيت أو حي أو مدينة من لهيبها، ونتج عن ذلك تزايد معدلات الفقر والتشرد والموت. حتى أولئك الذين نجوا من الرصاص في الداخل، لم يسلموا من مرارة الغربة والهجرة القسرية، حيث يجدون أنفسهم تحت رحمة الظروف القاسية في الخارج. هذه الحرب، بمثابة امتداد لمحاولة قمع الثورة بطرق غير مباشرة، وكما تم فض الاعتصام بالقوة في 2019، تسعى أطراف الصراع اليوم إلى تنفيذ “فض اعتصام كبير” يقضي على جذوة الثورة أينما ظهرت، سواء كان ذلك عبر استهداف شعاراتها أو رموزها.

 

واحدة من التكتيكات الواضحة لهذه الحرب هي الشيطنة المستمرة للقوى الثورية والمدنية، حيث يُتهمون زوراً بدعم أحد الأطراف المتصارعة. هذه الاتهامات تهدف إلى سحب الثوار إلى معركة ليست معركتهم، أو تبرير أي تصفية قد تطالهم. في الوقت ذاته، تحاول وسائل الإعلام الموالية للنظام السابق بث انتصارات وهمية على الأرض، مطالبة النازحين بالعودة إلى ديارهم، رغم أن الحقائق على الأرض تعكس استمرار الحرب والدمار في الخرطوم ومدن أخرى.

 

الهدف الأكبر لهذه الحرب لم يعد خافياً على أحد، وهو إعادة رموز النظام البائد إلى السلطة بأي ثمن، حتى لو كان الثمن هو حياة مئات الآلاف من السودانيين. تستخدم الحرب كأداة لمقايضة الأمن بالسلطة، في محاولة لاستعادة السيطرة التي فقدوها بثورة 2018. ومع استمرار الحرب وتفاقم الأوضاع الإنسانية، تتكشف بشكل أوضح مدى ارتباط هذه الحرب بتطلعات النظام السابق ورموزه، ومحاولاتهم اليائسة للعودة إلى المشهد السياسي.

 

ما يزيد الأمور تعقيداً هو أن الحلول السلمية تبدو بعيدة في ظل تصاعد العنف وفشل الجهود الدولية في فرض هدنة أو إيقاف نزيف الدماء. الحرب قد تطول، ولكن إرادة الشعب السوداني، الذي ثار مرة ضد الديكتاتورية، ستظل حية، رغم التحديات الجسيمة التي يواجهها.