اتفاقية عنتيبي: هل يواجه السودان أزمة مياه وسط الحرب؟

عبد الناصر الحاج

صحفي سوداني

في خضم الصراع الميداني الدائر في السودان، تتضاءل قدرة الحكومة على التعامل مع القضايا المصيرية التي تواجه البلاد. واحدة من هذه القضايا، التي تم تجاهلها بسبب الانشغال الكامل بالحرب، هي أزمة المياه، حيث أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أكتوبر 2024 دخول اتفاقية “عنتيبي” حيز التنفيذ. هذه الاتفاقية تهدد بشكل مباشر حصة السودان التاريخية من مياه نهر النيل، مما يثير مخاوف كبيرة حول مستقبل الأمن المائي في البلاد.

بالنسبة لكثير من المحللين، جاء هذا الإعلان كجرس إنذار، حيث بات من الواضح أن انشغال الحكومة في بورتسودان بمحاور الحرب جعلها تغفل عن قضايا أساسية مثل الأمن القومي المائي. قال خبراء تحدثوا لـ«الغد السوداني» إن الحرب بكل تداعياتها السياسية والعسكرية، دفعت الحكومة إلى التركيز على المعارك الداخلية على حساب المصالح الاستراتيجية للبلاد.

 

موقف السودان من اتفاقية عنتيبي

اتفاقية “عنتيبي”، التي أُبرمت في 2010، فرضت إطارًا قانونيًا جديدًا لإعادة توزيع مياه نهر النيل، حيث تمنح دول المنبع حرية إنشاء مشروعات مائية دون الحاجة لموافقة دولتي المصب، السودان ومصر. وعلى الرغم من أن السودان ومصر عارضا الاتفاقية بقوة، إلا أن السودان اكتفى ببيان مشترك مع مصر للتعبير عن رفضه دون اتخاذ خطوات عملية جادة لمواجهة تداعياتها.

 

هذا الموقف السلبي، الذي اعتمد بشكل كبير على الجهود الدبلوماسية، يعكس غياب الإرادة السياسية أو القدرة على اتخاذ موقف صارم تجاه مثل هذه القضايا المصيرية. في حين أن الحرب أخذت الأولوية القصوى في أجندة الحكومة، تزايدت التحديات المتعلقة بمياه النيل دون أن تحظى بالاهتمام الكافي.

 

مخاوف متزايدة 

عبدالمنعم أبو إدريس، نقيب نقابة الصحفيين السودانيين والخبير في قضايا القرن الأفريقي، يؤكد لـ«الغد السوداني» أن دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ سيغير شكل إدارة مياه النيل بالكامل. وقال: “الاتفاقية تلغي الحقوق التاريخية للسودان ومصر في مياه النيل، وتعطي دول المنبع الحرية في تطوير مشاريعها دون الرجوع لدول المصب”. ويشير أبو إدريس إلى أن تأثير الاتفاقية على السودان قد يكون كبيرًا، حيث يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الإيرادات المائية الواصلة إلى السودان، مما سيؤثر على حصة البلاد المائية وعلى الزراعة والاستخدامات اليومية للمياه.

 

دور حكومة بورتسودان والتكتل البيئي في شرق أفريقيا

الاتفاقية، التي تدعو إلى الاستخدام العادل لمياه النيل، تفتح الباب أمام تكتل بيئي اقتصادي في شرق أفريقيا، وهو ما قد يؤدي إلى تهميش دور السودان إذا لم يتحرك سريعًا. يؤكد أبو إدريس أن “غياب الاهتمام الحكومي بهذا الملف نتيجة للانشغال بالحرب، قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية بعيدة المدى على السودان”، ويضيف أن أي تأخير في معالجة هذه القضية سيجعل السودان أكثر عزلة في مفاوضات مياه النيل.

 

غياب البرلمان المنتخب وتداعياته

محمد الأمين عبدالنبي، خبير الإعلام السياسي، يشير إلى أن قضية المياه يجب أن تكون على رأس أولويات أي برلمان منتخب. ويقول عبدالنبي لـ«الغد السوداني»: “إن غياب برلمان منتخب يعكس ضعفًا مؤسسيًا في التعامل مع القضايا الاستراتيجية مثل الأمن المائي”، ويؤكد أن مثل هذه القضايا لا يمكن حلها من خلال قرارات حكومية مؤقتة، بل تحتاج إلى استراتيجية وطنية واضحة تستند إلى توافق شعبي وسياسي.

 

عبدالنبي يحذر من أن استمرار الانشغال بالصراع الحالي قد يؤدي إلى تحويل قضية المياه إلى أداة صراع جديدة بين دول حوض النيل. ويرى أن إعادة التفاوض حول الاتفاقية يجب أن تتم بشكل عاجل، بما يضمن الحقوق المائية لجميع الأطراف ويجنب السودان الدخول في صراعات جديدة.

 

ماذا بعد؟

تظل قضية الأمن المائي واحدة من أكبر التحديات التي تواجه السودان في ظل الظروف الراهنة. ومع استمرار الحرب، يبدو أن الحكومة في بورتسودان قد فقدت القدرة على مواجهة هذه التحديات بشكل فعّال. ما لم يتم اتخاذ خطوات جادة لمواجهة تداعيات اتفاقية عنتيبي، قد يجد السودان نفسه في مواجهة أزمة مائية تهدد مستقبل البلاد.

إن التحديات المائية ليست مجرد قضية فنية أو اقتصادية، بل هي قضية أمن قومي بامتياز، تحتاج إلى إرادة سياسية قوية وخطط استراتيجية بعيدة المدى لضمان بقاء السودان شريكًا قويًا في إدارة مياه النيل.