
عنتيبي: مرحلة جديدة في صراع مياه النيل ورفض مصر والسودان يثير التساؤلات
أعلنت إثيوبيا دخول اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل، المعروفة باسم “اتفاق عنتيبي”، حيز التنفيذ، مما أثار جدلاً واسعًا في المنطقة. الاتفاقية التي وقعتها ست دول من أصل إحدى عشرة دولة في حوض النيل، تمثل تحولاً كبيرًا في إدارة الموارد المائية لنهر النيل. بينما تواصل مصر والسودان رفضهما القاطع لهذه الاتفاقية، يرى خبراء أن هذا الرفض يمثل خطوة غير مدروسة قد تضع البلدين في موقف ضعيف أمام باقي دول الحوض.
يقول الدكتور سلمان محمد أحمد، المستشار السابق لقوانين المياه بالبنك الدولي لـ«الغد السوداني» إن رفض مصر والسودان لاتفاقية عنتيبي والعمل بقوة ضدها هو “معركة خاسرة” منذ بداية التفاوض عليها في عام 1999. يرى أحمد أن البلدين يجب أن يعيدا النظر في موقفهما تجاه الاتفاقية، حيث أصبحت غير قابلة للتجاهل بعد المصادقة عليها من قبل دولة جنوب السودان في يوليو 2024، مما أكمل النصاب القانوني لدخولها حيز التنفيذ.
خلفية الاتفاقية
اتفاقية عنتيبي تهدف إلى تعزيز التعاون بين دول حوض النيل لتحقيق تنمية مستدامة من خلال الاستخدام العادل والمعقول للموارد المائية. منذ عقود، اعتمدت مصر والسودان على اتفاقيات تاريخية مثل اتفاقية 1929 التي تمنح مصر حق الفيتو على المشاريع التي قد تؤثر على حصتها المائية. ومع ذلك، فإن دول مثل إثيوبيا وجنوب السودان ترى أن تلك الاتفاقيات قديمة وغير ملزمة لها، حيث وُقّعت في حقبة الاستعمار.
النقاط الرئيسية التي تعارضها مصر والسودان تشمل الإخطار المسبق عن المشاريع المائية الجديدة، بالإضافة إلى مفهوم “الأمن المائي” الذي تصر الدولتان على تضمينه في الاتفاقية. بالمقابل، تؤكد بقية دول الحوض على حقوقها في مياه النيل بناءً على مبادئ الانتفاع المتساوي والمعقول.
تأثير وموقف حاسم
دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ يعني إنشاء مفوضية جديدة لإدارة مياه النيل، وهو تطور قد يغير طريقة التعامل مع الموارد المائية المشتركة بين الدول. ومع ذلك، يظل موقف مصر والسودان حاسمًا في تحديد مستقبل التعاون الإقليمي في إدارة مياه النيل. وفقًا لأسماء الحسيني، خبيرة الشؤون الإفريقية، التي تحدثت لـ«الغد السوداني» فإن هذه الاتفاقية تؤسس لتحالف جديد في حوض النيل بقيادة إثيوبيا، وهو تحالف تعتبره موجهاً ضد مصر.
وترى الحسيني أن هذا التحالف لن يحقق أهدافه، مشيرة إلى أن اتفاق عنتيبي قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات بين دول الحوض التي كانت تسعى في الماضي للتعاون عبر مبادرة حوض النيل. وتضيف أن الاتفاقية قد تثير توترات في المنطقة، خاصة أنها تنسف الحقوق التاريخية لمصر والسودان في مياه النيل، وهو ما قد يؤدي إلى تصاعد الأزمات المائية في المستقبل.
مصر والسودان: خيارات محدودة
رفض مصر والسودان لاتفاقية عنتيبي يعود بالأساس إلى الخوف من فقدان الحصة الكبيرة التي تتمتع بها الدولتان من مياه النيل، والتي تم تقسيمها بناءً على اتفاقيات سابقة، مثل اتفاقية 1959 التي منحت مصر (55.5 مليار متر مكعب) والسودان (18.5 مليار متر مكعب) من المياه. غير أن دول حوض النيل الأخرى تؤكد أن هذه الاتفاقيات لا تلزمها بأي شكل، وترفض مبدأ الإخطار المسبق الذي تصر عليه مصر.
يعتقد مراقبون تحدثوا لـ«الغد السوداني» أن خيارات مصر والسودان أصبحت محدودة بعد المصادقة الدولية على اتفاقية عنتيبي، خاصة في ظل الدعم الذي تحظى به الاتفاقية من قبل منظمات دولية مثل البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية. وفي هذا السياق، يطالب الدكتور سلمان محمد أحمد مصر والسودان بالتخلي عن مسألة التمسك بالاتفاقيات السابقة وحق الفيتو، مشيرًا إلى أن هذا التوجه أصبح غير قابل للتطبيق في ظل الواقع الحالي.
مع دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ، تواجه مصر والسودان تحديات كبيرة في الحفاظ على حقوقهما المائية التاريخية في نهر النيل. في الوقت نفسه، تُظهر بقية دول الحوض رغبة متزايدة في الاستفادة من موارد النيل دون الخضوع للشروط التي كانت تفرضها مصر والسودان في الماضي.
مستقبل المياه في المنطقة أصبح رهينًا بالتفاهمات الإقليمية الجديدة، ومع استمرار التوترات، يبقى من غير الواضح كيف سيتم حل هذه القضية دون تفاقم الأزمات المائية في المنطقة.