“لجنة لإدارة نهر النيل”.. هكذا يرى الجانب السوداني والمصري اتفاقية “عنتيبي”!

تتصاعد الخلافات حول اتفاقية “عنتيبي” لتقسيم مياه نهر النيل، وسط اعتراضات مصر والسودان، وتفاقم النزاع مع إثيوبيا بشأن سد النهضة. يكشف هذا التحقيق تأثير هذه التوترات على استقرار المنطقة ومستقبل حصص المياه، ويحلل أبعاد الصراع المائي بين دول حوض النيل. أكد خبراء القانون الدولي والجيولوجيا والموارد المائية، الذين تحدثوا لـ«الغد السوداني» إن اتفاقية عنتيبي (CFA) المتعلقة بتنظيم استخدام مياه نهر النيل ليست ملزمة لمصر والسودان، وهما الدولتان اللتان لم توقعا عليها، مما يعني استحالة تطبيقها عليهما.

تُعتبر هذه الاتفاقية محاولة لتنظيم استخدام مياه النيل بين دول حوضه، لكنها تواجه تحديات قانونية كبيرة، أبرزها تعارضها مع اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن استخدام المجاري المائية الدولية.

وفي هذا السياق، أوضح د. أحمد المفتي، الخبير الدولي في مجال المياه لـ«الغد السوداني» أن الاتفاقية تقوم على مبدأ “الاستخدام العادل والمعقول” للمياه، وليس “تقسيم الحصص”، ما يجعل حديث بعض الدول، مثل إثيوبيا، عن إعادة تقسيم المياه غير دقيق ويعتمد على استغلال سياسي. كما أن إعادة صياغة الاتفاقية لتشمل مفهوم “التقسيم” سيحتاج إلى جهود قانونية وزمنية كبيرة.

 

غير قابلة للتطبيق

أشار المفتي إلى أن المانحين الدوليين، مثل البنك الدولي والولايات المتحدة، قد شددوا على ضرورة الحصول على موافقة جميع الدول المشاطئة قبل تنفيذ أي اتفاقية تتعلق بنهر النيل. وعلى الرغم من توقيع إثيوبيا على اتفاقية عنتيبي، فإنها لم تعتمد عليها في بناء سد النهضة، بل استندت إلى إعلان المبادئ الموقع في عام 2015 مع مصر والسودان.

يرى الخبراء أن العيوب القانونية في اتفاقية عنتيبي تجعلها غير قابلة للتطبيق، وتمنع فرضها على الدول التي لم توقع عليها.

 

تحذير ودعوا للتنسيق

من جانبه حذر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، في إفادته لـ«الغد السوداني» من تداعيات بعض بنود اتفاقيات دول منابع النيل، موضحًا أن مصر والسودان يعترضان على بندين رئيسيين في هذه الاتفاقيات. في تصريحاته لصحيفة الغد السودانية، أشار شراقي إلى أن البند الأول يتعلق بـ “الحق في إقامة مشروعات دون الرجوع للدول الأخرى”، وهو ما يتعارض مع القوانين الدولية، حيث تشترك عدة دول في مياه نهر النيل.

 

أما البند الثاني، الذي يعد الأكثر أهمية، فهو رفض الاعتراف بالاتفاقيات السابقة، مثل اتفاقية 1959 التي حددت حصة مصر بـ 55.5 مليار متر مكعب سنويًا، والسودان بـ 18.5 مليار متر مكعب. وأوضح شراقي أن إثيوبيا تعتبر هذه الاتفاقيات إرثًا استعماريًا وترفض الالتزام بها، في ظل محاولتها فرض واقع جديد كما حدث في أزمة سد النهضة.

 

وأضاف شراقي أن بناء سدود كبيرة في دول منابع النيل الأخرى أمر غير ممكن، باستثناء إثيوبيا، نظرًا للظروف الطبيعية. لكنه أكد على ضرورة احترام التشاور الدولي في هذه المشاريع، موضحًا أن أي مشروع سد، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، يجب أن يخضع للتنسيق بين دول النهر لتجنب الأضرار المحتملة.

 

حرب المياه

وأشار إلى أن الظروف السياسية غير المستقرة في مصر خلال عام 2011 ساعدت إثيوبيا في المضي قدمًا في بناء سد النهضة، مشيرًا إلى أنه لو كانت الأمور مستقرة في مصر، لما سُمح بإجراء مفاوضات بينما كان السد يُبنى. كما حذر شراقي من أن أي مشروع سد آخر مشابه لن يُقابل برد الفعل ذاته.

 

وتناول شراقي التأثيرات الزراعية لسد النهضة على مصر والسودان، مؤكدًا أن زراعة الأرز في مصر تقلصت بالفعل. كما حذر من خطر فيضان كبير في السودان إذا قررت إثيوبيا فتح بوابات السد فجأة، مما قد يتسبب في كارثة غير مسبوقة. وأوضح أن السودان أصبح تحت رحمة إثيوبيا، التي يمكنها إغراق البلاد بفتح بوابات السد دون الحاجة لاستخدام القوة العسكرية دون إطلاق رصاصة واحدة، فقط بفتح بوابات السد وتشغيل التوربينات. وأكد أن البشرية لم تشهد من قبل كارثة طوفان مائي بحجم ما يمكن أن يحدث إذا تعرض السد لأي ضرر.

 

في ختام حديثه، شدد شراقي على ضرورة التوصل إلى توافق وتنسيق بين دول النيل، محذرًا من أن عدم الاستقرار الداخلي في مصر خلال عام 2011 سهّل بناء سد النهضة دون مقاومة فعالة.