مبادرة إدريس.. الكفر ببعض الكتاب
بقلم: محمد الحسن أحمد
كمن يقدم خمراً قديمة في آنية جديدة، طرح رئيس وزراء سلطة بورتسودان، كامل إدريس، أمس الاثنين خلال كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، مبادرةً تتضمن وقفاً شاملاً لإطلاق النار تحت رقابة دولية وإقليمية. وبالطبع، لم ينسَ إدريس بند انسحاب مقاتلي (المليشيا) وتجميعهم في معسكرات يتم التوافق عليها تحت إشراف مشترك (أممي وأفريقي وعربي).
كانت المبادرة، وللمفارقة، هي ذات خارطة الطريق التي دفع بها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان إلى الأمم المتحدة في مارس الماضي؛ فقط تحولت الرسالة من المكتوب إلى المنطوق، وهي ليست سوى محاولة بائسة لتسويق انقلاب دموي — أفرز حرباً طاحنة — بواجهة مدنية رخيصة.
ليس من نافلة القول إن جلسة مجلس الأمن المخصصة للسودان، والتي خاطبها إدريس، لم تكن جلسة طارئة ولا رفيعة المستوى، ولا تستدعي من حيث البروتوكول أو الأعراف مخاطبةً على مستوى رئيس وزراء، بل كانت محض جلسة إحاطة دورية عادية، يُخاطَب فيها المجلس عادة عبر المندوب الدائم للدولة، وفي هذه الحالة يصبح السفير المعتمد رسمياً لدى الأمم المتحدة هو الأكثر اتساقاً مع الأعراف الدولية.
ثم إن المجتمع الدولي، ممثلاً في دول الرباعية، دفع بخارطة طريق وفق مواقيت زمنية محددة، تبدأ بالهدنة الإنسانية وتنتهي بحوار سياسي وسلطة مدنية، لكن الجنرال وجماعته من الإسلاميين ولصوص المعادن وتجار الدين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه.
وفق تفكير رغائبي قاصر عن فهم المتغير والمتحرك في العالم، يتمنى الجنرال و”صداه” من المجتمع الدولي تفكيك قوات الدعم السريع وتجميعها والقضاء عليها بضربة لازب، وهو عاجز عن مقارعتها، هارب عن لقائها على الأرض وطاولات التفاوض، وفي الوقت ذاته يملي شروط المنتصر.
يريد الجنرال التائه في لجة الحرب، الغارق في حلم السلطة، سلاماً يحفظ لحلفائه من الإسلاميين سلاحهم وأموالهم المنهوبة مع بعض السلطات في إطار ما يخدم سلطانه المتوهم. بينما يريد المجتمع الدولي والخلص من السودانيين سلاماً ينهي أسباب الحروب التي ما توقفت منذ عام 1955، وظلت تتمدد حتى بلغت الخرطوم ولامست الشرق والشمال.
ما بين الإرادتين تقرع نواقيس الخطر؛ ذلك أن في استمرار الحرب فناء السودان، مما يستلزم عقر ناقة الحرب أولاً. إن أي اتفاق على نحو ما مضى يعني جعل السودان مزرعة للسلاح ومتجراً للمليشيات ومرتعاً للمتطرفين. فالحل واحد وواضح، وأوجب واجباته حل وتفكيك جميع المليشيات والحركات وبناء جيش مهني تحت قيادة مدنية، وقبل ذلك قطع شريان حياة الشيطان المتمثل في الحركة الإسلامية الإجرامية، التي لن تستقيم حياة ولا بلاد بوجودها.

أصلي 🌹