من نيروبي… هل بدأت معركة تصنيف الحركة الإسلامية منظمة إرهابية في السودان؟

نيروبي، الغد السوداني – بينما تقترب حرب السودان من إتمام ألف يوم، أطلقت قوى مدنية ديمقراطية من نيروبي أخطر تحدٍ سياسي مباشر لأطراف الصراع، معلنة خريطة طريق متكاملة لوقف الحرب فوراً، ومطالِبةً بتصنيف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية السودانية وواجهاتهما كمنظومة إرهابية، في خطوة غير مسبوقة منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023.

 

الاجتماع، الذي انعقد في العاصمة الكينية الثلاثاء، لم يكتفِ بإدانة الحرب أو المطالبة بوقفها، بل قدّم لأول مرة «حزمة سياسية واحدة» تربط بين الهدنة الإنسانية، ووقف إطلاق النار، والانتقال المدني الديمقراطي، مع استبعاد كامل للأطراف المتحاربة من إدارة المرحلة الانتقالية، وقطع الطريق أمام عودة الإسلاميين إلى المشهد السياسي والأمني.

 

وفي توقيت بالغ الحساسية، وجّه المجتمعون نداءً إنسانياً عاجلاً بشأن كردفان، محذرين من تحوّل مدن الأبيض وكادقلي والدلنج والدبيبات والرهد إلى بؤر إبادة مفتوحة، وداعين المجتمع الدولي إلى فرض هدنة إنسانية فورية هناك كنموذج لاختبار جدية أطراف الحرب، استناداً إلى مقترح الآلية الرباعية.

 

الأكثر إثارة في مخرجات الاجتماع كان التوافق على وثيقة رسمية تطالب بتصنيف المؤتمر الوطني/الحركة الإسلامية السودانية كمنظومة إرهابية وطنياً وإقليمياً ودولياً، مستندة إلى سجل من الانقلابات، وجرائم الإبادة، ورعاية الإرهاب العابر للحدود، ودورها – بحسب الموقعين – في إشعال حرب أبريل لإجهاض الانتقال المدني بعد ثورة ديسمبر.

 

المبادرة الجديدة، التي حظيت بتوقيع طيف واسع من القوى السياسية والمدنية ولجان المقاومة والنقابات والنازحين، وبدعم شخصيات محورية بينها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، تُقدَّم بوصفها محاولة أخيرة لإعادة تعريف الصراع في السودان: من حرب بين جنرالات، إلى معركة سياسية وأخلاقية من أجل إنقاذ الدولة نفسها ومنع انزلاقها إلى التفكك الشامل.

 

نداء عاجل لكردفان وتحذير من “محرقة إنسانية” 

 

واستهل المجتمعون اجتماعهم بنداء إنساني عاجل بشأن الأوضاع المتدهورة في إقليم كردفان، لا سيما مدن الأبيض وكادقلي والدلنج والدبيبات والرهد، حيث تتصاعد المواجهات العسكرية وتهدد حياة مئات الآلاف من المدنيين.

 

وحمل البيان طرفي الحرب وحلفاءهما المسؤولية الكاملة عن أي انتهاكات تُرتكب بحق المدنيين، داعياً المجتمع الدولي والقوى الإقليمية إلى التدخل العاجل، وجعل كردفان نموذجاً فورياً لتطبيق هدنة إنسانية غير مشروطة، وفق المقترح الذي قدمته الآلية الرباعية.

 

دعم مبادرة الرباعية… ورفض أي حل عسكري 

 

وأكدت القوى المدنية دعمها الصريح لإعلان الآلية الرباعية الصادر في 12 سبتمبر 2025، والذي تقوده الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، معتبرة أنه يعكس المطالب الجوهرية للشعب السوداني، وعلى رأسها وقف الحرب، وحماية المدنيين، واستبعاد قوى الحرب والجماعات المتطرفة من تقرير مستقبل البلاد.

 

وشدد المشاركون على أن “لا حل عسكرياً” للأزمة السودانية، وأن استمرار القتال لا يعني سوى تعميق المأساة الإنسانية وإغلاق الأفق أمام أجيال كاملة.

 

إعلان مبادئ وخارطة طريق لوقف الحرب

 

وخلص الاجتماع إلى توافق على ثلاث وثائق استراتيجية، اعتُبرت بمثابة حجر الأساس لمشروع “الوطن الجديد”، وهي:

 

إعلان المبادئ السوداني لبناء وطن جديد خارطة طريق وقف وإنهاء الحرب، وتشمل هدنة إنسانية فورية، ووقفاً دائماً لإطلاق النار، ومساراً سياسياً يقود إلى انتقال مدني مذكرة تصنيف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية السودانية كمنظومة إرهابية

 

وينص إعلان المبادئ على وقف فوري لإطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر دون شروط، وربط المسارات الإنسانية والعسكرية والسياسية في حزمة واحدة، تقود إلى عملية انتقالية بقيادة مدنية خالصة، لا تشارك فيها الأطراف المتحاربة.

 

دعوة لاستبعاد الإسلاميين وتصنيفهم “منظومة إرهابية” 

 

وفي تطور لافت، طالبت القوى الموقعة بتصنيف المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية السودانية وواجهاتهما كمنظومة إرهابية، وطنياً وإقليمياً ودولياً، محمّلة إياها مسؤولية تاريخية عن تقويض الديمقراطية، وارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب، ورعاية الإرهاب العابر للحدود.

 

واستندت المذكرة إلى سجل الحركة الإسلامية في حكم السودان لثلاثة عقود، وما رافقه من قمع ممنهج، وفساد واسع، وتفكيك مؤسسات الدولة، إضافة إلى دورها، بحسب الموقعين، في إشعال حرب أبريل 2023 لإجهاض الانتقال المدني.

 

انتقال مدني وجيش مهني واحد 

 

وأكدت الوثائق ضرورة بناء دولة مدنية ديمقراطية، وإعادة تأسيس القوات المسلحة على أسس مهنية واحدة، غير مسيّسة، تعكس التنوع السوداني، وتخضع للسلطة المدنية، مع إخراج الجماعات المسلحة والمليشيات من المشهد السياسي والأمني.

 

كما شددت على التزام السودان المستقبلي بأمن البحر الأحمر، ومكافحة الإرهاب، وعدم استخدام أراضيه كمنصات لزعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي.

 

مشاركة سياسية ومجتمعية واسعة

 

وشارك في الاجتماع قادة من أحزاب سياسية وحركات مسلحة وقوى مدنية، إلى جانب شخصيات وطنية بارزة، من بينهم رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وكتاب ومفكرون ونشطاء مجتمع مدني، إضافة إلى ممثلين للنساء والشباب ولجان المقاومة والنازحين واللاجئين.

 

وفي ختام الاجتماع، اتفقت القوى المشاركة على إنشاء إطار مرن للتنسيق والعمل المشترك، بهدف تحويل الوثائق المعلنة إلى خطوات عملية على الأرض، ودعت جميع القوى المدنية الديمقراطية المناهضة للحرب إلى الانخراط في هذا المسار، “استكمالاً لأهداف ثورة ديسمبر في الحرية والسلام والعدالة”.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.