«الهروب الكبير» معاناة اللاجئين السودانيين بلبنان: نزاع وحصار يفاقمان الأزمة

يعاني اللاجئون السودانيون في لبنان من أوضاع إنسانية صعبة منذ اندلاع النزاع في بلادهم، وقد زادت معاناتهم بشكل كبير بعد القصف الإسرائيلي الأخير على لبنان. هؤلاء اللاجئون، الذين فروا من ويلات الحرب في السودان بحثًا عن الأمان، وجدوا أنفسهم مرة أخرى في مواجهة الخطر والموت.

سارة، لاجئة سودانية في لبنان، تروي لـ«الغد السوداني» تجربتها الأليمة، قائلة: “هربنا من الحرب في السودان بأمل العثور على حياة أفضل هنا، ولكن القصف الإسرائيلي جعلنا نعيش في خوف دائم. نحن لسنا آمنين في أي مكان”. ويعيش العديد من السودانيين اللاجئين في ظروف صعبة، حيث يفتقرون إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والمأوى الملائم، مما يزيد من حدة مأساتهم.

 

وبحسب ما ذكرته تقارير إنسانية، فإن اللاجئين السودانيين، الذين يعتبرون جزءًا من الفئات المهمشة في لبنان، يتعرضون لصعوبات اقتصادية واجتماعية قاسية. كما أن العديد منهم يواجهون صعوبات قانونية بسبب عدم قدرتهم على الحصول على وضع قانوني مستقر في لبنان، مما يعرضهم لخطر الترحيل أو الاحتجاز.

 

حرب تلاحقهم أينما ذهبوا

وفي ظل هذه الظروف، يأتي القصف الإسرائيلي الأخير ليزيد من الأعباء التي يعانون منها، حيث استهدف مناطق قريبة من أماكن إقامتهم، مما تسبب في حالة من الذعر والخوف بين اللاجئين. يقول من جانبه، قال الاجئ سامي يحيى لـ«الغد السوداني»: “نحن في بلد غريب، ولا نعرف إلى أين نلجأ. كل ما نريده هو الأمان، ولكن يبدو أن الحروب تلاحقنا أينما ذهبنا”.

يروي يحيى قصصًا مؤلمة عن ما تعرض له اللاجئون الأفارقة والسودانيون نتيجة القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان. “هناك من فقدوا حياتهم، وآخرون بترت أطرافهم بعدما كانوا يحلمون بالهروب من واقع بلادهم التي مزقتها الحرب والدمار.” وأضاف سامي بتأثر: “الآن، إلى أين نذهب؟ حتى أطفالنا الصغار فقدوا كل شيء.”

 

من بيروت مطالب بالإجلاء

أمس الأحد، نظم فريق مناهضة العنصرية (art) anti racism team وتجمع اللاجئين الافارقة، وقفة احتجاجية في ساحة الإسكوا بجوار السراي الحكومي في بيروت، تضامنًا مع اللاجئين السودانيين الفارين من العدوان الصهيوني. الناشط السوداني عبد الباقي عثمان، مشرف فريق مناهضة العنصرية (art) وتجمع اللاجئين الافارقة، أكد في حديثه لـ«الغد السوداني» أن المحتجين يطالبون بإجلاء اللاجئين إلى دول آمنة مثل تركيا أو قبرص، مستشهدًا بإجلاء الأفارقة من ليبيا إلى إيطاليا سابقًا. المحتجون نددوا بالممارسات العنصرية والاعتداءات الجسدية التي تعرض لها اللاجئون في حديقة الصيفي. كما دعوا المفوضية لتحمل مسؤوليتها وتأمين مأوى آمن لهم حتى يتم إجلاؤهم.

 

رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة: مصير مروع

وجه المحتجون رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة حول أزمة اللاجئين الأفارقة (السودانيين) تضمنت دعوة صريحة لتحمل المسؤولية تجاه اللاجئين الأفارقة، وخاصة السودانيين منهم، الذين يواجهون أوضاعاً إنسانية صعبة نتيجة تصاعد الصراع في لبنان والعدوان الإسرائيلي. أشارت الرسالة التي تحصلت «الغد السوداني» على نسخة منها، إلى أن مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تخلت عن دورها وتركت اللاجئين الأفارقة يواجهون مصيراً مروعاً في ظل القصف العشوائي، مما أدى إلى دمار منازلهم وحرق ممتلكاتهم. وأكدت أن البعض قُتل، بينما يعيش الآخرون في ظروف قاسية بلا مأوى أو أمان.

 

ونبّهت الرسالة إلى أن من نجا من القصف الوحشي لم يسلم من الطرد والعنصرية والعنف الاجتماعي من المجتمع المضيف ومن قبل قوات الأمن. فقد تعرض اللاجئون للاعتداء والطرد من الأماكن التي لجأوا إليها في بيروت، مثل حديقة الصيفي والكنيسة المجاورة. وعند محاولتهم الاحتماء بساحة بيت الأمم المتحدة (الإسكوا) تعرضوا للطرد مجدداً، مما أجبرهم على الانتشار على شاطئ البحر وفي البنايات المهجورة وتحت الجسور.

 

تطرقت الرسالة إلى سنوات طويلة من الاحتجاجات التي قادها اللاجئون ضد التمييز والإهمال والفساد. ومع تصاعد وتيرة الحرب، أصبح الوضع أكثر خطورة خاصة على حياة الأطفال. واختتمت الرسالة بنداء عاجل إلى الأمين العام، تطالبه بإجلاء اللاجئين وأطفالهم إلى معسكر انتظار آمن في تركيا أو قبرص، كما فعلت الأمم المتحدة مع طالبي اللجوء الأفارقة من ليبيا إلى إيطاليا سابقاً.

 

نحن بحاجة إلى النجاة:

ويقول اللاجئ يوسف، يقول لـ«الغد السوداني»: بعد محاولتين فاشلتين للهروب عبر البحر، لا يزال يحمل في قلبه أمل الهروب مجددًا. القصف الإسرائيلي والخنق الاقتصادي أشعراه بالحاجة إلى النجاة من واقع ينهش روحه. يقول إن ضغوط العنصرية والظروف الصعبة لم تترك له خيارًا سوى المخاطرة بحياته مرة أخرى، رغم الألم الذي حمله في كل محاولة.

 

حسنية حسن تعبر بمرارة عن ظروفها قائلة لـ«الغد السوداني»: “نحن نعيش في ظروف بالغة التعقيد هنا في لبنان، ولا نرى أي بصيص أمل. ومع كل هذه الأهوال، تأتينا أخبار مؤلمة من أحبائنا في السودان.” وأضافت: “لقد فقدت الاتصال بأسرتي في السودان، وقبل شهر علمت من أحد جيراني بوفاة والدي وأختي الكبرى.” وتواصل حديثها عن معاناتها الشخصية قائلة: “لدي ثلاثة أطفال، اثنان منهم يعانون من التوحد، وزوجي لا يعمل”.

 

يُعتبر النداء الموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة بمثابة تحذير من كارثة إنسانية وشيكة تتطلب تدخلاً سريعاً لإنقاذ حياة اللاجئين الذين يعانون من ظروف معيشية صعبة تفاقمت بفعل الأزمات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد، ولا سيما مع استمرار الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل. رغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى تسجيل 1803 لاجئين سودانيين لدى مفوضية شؤون اللاجئين، إلا أن عدد طالبي اللجوء الذين لم يتم البت في ملفاتهم بعد يتضاعف تقريباً عن هذا العدد. يعكس هذا الوضع تحدياً إضافياً يواجه السودانيين في لبنان، إذ يجدون أنفسهم عالقين بين صعوبات الحياة اليومية وأثر النزاعات الإقليمية التي تترك آثاراً سلبية على أوضاعهم الإنسانية الهشة.