يونس.. ناجٍ من أهوال الحرب: كيف تسرق النزاعات طفولة أطفال السودان
يونس، طفل لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، نجا بإعجوبة من أرض المعركة بعد أن احتُجز قسرًا وزُجّ به في أتون الحرب الدائرة منذ 18 شهرًا في الخرطوم. ورغم صغر سنه، شهد ما لا يمكن لطفل أن يتحمله. حكى لنا قصصًا مؤلمة عن أطفال الشوارع الذين يعيشون مآسي لا تنتهي، وقد عمّقت الحرب جراحهم، تاركةً آثارًا نفسية وجسدية يصعب نسيانها. تجسد هذه القصص حقيقةً مريرة عن معاناة الأطفال في ظل النزاعات، حيث يصبحون ضحايا لحروب لا يد لهم فيها.
وقبل أكثر من 500 يوم استيقظ أطفال الشوارع في الخرطوم على أزيز الطائرات ودوي المدافع في السماء، ليشهدوا معارك شرسة بين الجنرالين. ومنذ اندلاع الصراع في السودان، يعيش أطفال الشوارع مأساة مزدوجة؛ الأولى هي تشردهم، والثانية تعرضهم لتداعيات الحرب مباشرة.
فقد دمُرت ملازاتهم الآمنة تحت الجسور والأنفاق، وبين مكبات النفايات وأعمدة الإنارة، كما أنهم عرضة للإصابة بالأمراض، مثل الحميات والموت دون الحصول على أي نوع من الرعاية الطبية.
تشير إحصاءات مستقلة إلى وجود ٤٠ ألف طفل شارع في السودان قبل الحرب، نصفهم في العاصمة الخرطوم، والعدد مرشح للزيادة بعد الحرب. وتوضح تقارير من “يونسيف” أن هنالك نقصًا شديدًا في المعلومات بسبب إنقطاع الإنترنت وصعوبة الوصول إلى الأطفال الأكثر هشاشة في جميع أنحاء السودان.
في السياق ذاته، يرى د. مبارك مامان، مختص في قضايا الأطفال في الكوارث الإنسانية، في إفادته لـ«الغد السوداني» أن الحرب لها آثار نفسية واجتماعية كبيرة على الأطفال، خاصة أولئك في دور الإيواء وفاقدي الرعاية الأسرية. وأضاف أن الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة للانتهاكات والعنف والتشرد، مما يترك آثارًا عميقة على صحتهم النفسية والجسدية. وأكد أن الصدمات الناتجة عن مشاهدت جثث مشوهة أو عمليات قتل قد تؤدي إلى مشكلات عصبية ونفسية تستمر حتى مابعد الحرب.
بحسب مامان، تشير الدراسات إلى أن 22% من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق الصراعات المسلحة يعانون من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة. كما أن نحو 9% من أطفال الشوارع يعانون من اضطرابات صحية ونفسية قد تصل إلى حد الجنون والانتحار نتيجة شعورهم العميق بالضياع.
وأضاف أن الأطفال الذين يكبرون في بيئات الحرب والعنف يصبحون أكثر عرضة لإعادة إنتاج العنف في حياتهم البالغة، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الفقر والعنف المجتمعي.
تقول ثريا إبراهيم الحاج، أخصائية إجتماعية لـ«الغد السوداني»: إن معظم الاطفال الذين كانو في “وضعية الشارع” لحظة اندلاع الحرب قد يكونون قتلوا، ومن نجا منهم تعرض لمزيد من الإنتهاكات مثل العنف الجنسي، بالإضافة إلى الجوع والمرض، أو مثل أن يتم تجنيدهم قسريًا من قبل أحد أطراف الحرب وزجهم في العمليات القتالية الجارية، مما زاد من هشاشة أوضاعهم. وتابعت “الوضع يولّد أطفالاً جددًا في وضعية الشارع، مثلما حدث بعد موجات الجفاف والتصحر في غرب السودان في أواخر الثمانينيات.
من جهته، أوضح د. حيدر علي، إختصاصي الطب النفسي لـ«الغد السوداني» أن هؤلاء الأطفال يتعرضون لكل ما تعرض له المجتمع، لكن بشكل مضاعف، خاصة عند المرض بسوء التغذية وضعف النمو البدني. وأشار إلى أن اضطراب ما بعد الصدمة هو أكثر ما يصيب الأطفال المشردين، بالإضافة إلى زيادة معدلات الخوف والقلق والاضطرابات النفسية، حيث يعيشون جميع أهوال الحرب دون القدرة على مغادرة مناطق الصراع مثل باقي أفراد المجتمع.
في جنوب الحزام حيث بدأت الحرب، تجمع عدد كبير من أطفال الشوارع حول المدينة الرياضية، وشهدوا مناظر مروعة للجثث، مما سبب لهم صدمة نفسية. ويروي محمد (اسم مستعار) من منطقة جنوب الحزام أن إحدا الغارات الجوية والفذف المدفعي للسوق المركزي خلفت مقتل نحو 15 طفلاً مشردًا، مزقت أجسادهم إلى أشلاء ونُقلوا إلى مستشفى بشائر، من نجا من الموت منهم، أصيب بالجنون، وازدادت معدلات العنف لديهم.