صناعة الجوع في السودان.. هل تصبح سلاحًا للمتقاتلين؟

سهام صالح

صحفية سودانية

بعد أكثر من 500 يوم من الحرب المدمرة والمستمرة في السودان، باتت حياة ملايين الأشخاص مهددة بالموت جوعًا. أصبح الجوع أداة ضغط تُستخدم من قبل طرفي الصراع، حيث يبدو أن كلا الجانبين يهدفان إلى استغلال معاناة المدنيين لتحقيق أهداف عسكرية ولوجستية. هذا الوضع يثير تساؤلات حول ما إذا كان الجوع يستخدم كسلاح متعمد في هذه الحرب الوحشية.

وفقًا لتقرير نشرته CNN بعنوان “انخرط أو مت”، فقد استخدمت قوات الدعم السريع الجوع كسلاح عن طريق منع وصول المعونات الإنسانية إلى المحتاجين، مما أجبر الشباب والرجال على الانضمام إلى صفوفهم. ووفقًا لشهادات أكثر من 36 شخصًا، تم توثيق حالات مشابهة في ولاية الجزيرة، حيث نُهبت المعدات الزراعية والمحاصيل، وتم التضييق على المزارعين، مما أدى إلى فجوة غذائية هائلة أثرت على البلاد بأكملها. “وتحدثت صحيفة الغد السوداني مع 14 متطوعًا في ولايتي الخرطوم ودارفور، الذين فضلوا حجب هوياتهم نظرًا لتعقيد الأوضاع الأمنية. يعتمد التقرير على إفاداتهم، مؤكدين فرار آلاف الأسر من منازلهم بسبب الجوع خلال الأشهر الماضية نحو مصير مجهول.”

أوضحت سامانثا باور، مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في تصريح، الخميس، أن حماية هؤلاء المتطوعين أمر بالغ الأهمية لضمان استمرار إيصال المساعدات للفئات الأكثر تضررًا في البلاد. في وقت تتزايد فيه الاحتياجات الإنسانية في السودان، مع تصاعد الصراع والجوع بين السكان.

التأثير على المدنيين

المدن والقرى المحاصرة، مع توجيه ميزانية الدولة نحو التسليح، تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية الضرورية. المطابخ المجتمعية وغرف الطوارئ التي تم إنشاؤها لتقديم الطعام للمتضررين تتعرض للنهب وسرقة المواد التموينية. ورغم ذلك، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت هذه السرقات لدعم القوات المتقاتلة أو لمنع المساعدات من الوصول إلى المدنيين.

في الوقت نفسه، الجيش السوداني رفض التعاون في مفاوضات جنيف لتسهيل وصول المعونات، ومنع فتح المعابر. هذا الموقف يندرج تحت تعريف جريمة الحرب المتمثلة في استخدام التجويع كسلاح، وهو فعل يجرمه القانون الدولي.

تأثير إنساني

منذ اندلاع الحرب، يتعرض المتطوعون في مجال الإغاثة للمضايقات من طرفي الصراع. الشيخ الأمين في مدينة أم درمان، على سبيل المثال، كان هدفًا لهذه المضايقات، ما أدى إلى تفاقم الجوع غير المسبوق في المنطقة التي كان يوزع منها وجبات للمواطنين بالخرطوم بحري والمناطق المحيطة. وقد تم اعتقال المتطوعة نازك محمد عثمان أثناء توزيع وجبات للمتضررين بنهر النيل، وهو ما أثار غضب السكان المحليين.

الوضع الصحي والاقتصادي

مع تفشي الأمراض المرتبطة بسوء التغذية في مدينة بحري وحي شمبات، أطلقت غرف الطوارئ نداءات إغاثة لإنقاذ المدنيين. وفي بيان لغرفة طوارئ بحري، تم التأكيد على انتشار الأمراض المرتبطة بالتلوث البيئي نتيجة لغياب المواد الغذائية الأساسية. الأوضاع مشابهة في مناطق أخرى مثل جنوب الحزام، حيث تعاني المطابخ المجتمعية من النقص الحاد في الموارد أو الارتفاع الجنوني في الأسعار.

استجابة المجتمع الدولي

رغم التحذيرات المستمرة من المنظمات الإنسانية، بما في ذلك برنامج الغذاء العالمي، بأن الوضع في السودان يتدهور بسرعة مروعة، فإن طرفي الصراع يواصلان إعاقة وصول المساعدات الإنسانية. الأمم المتحدة كانت قد أصدرت قرارًا في عام 2018 (القرار 2417) يحظر استخدام التجويع كسلاح حرب، ويُدين بشدة العرقلة المتعمدة لوصول المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض يشير إلى أن هذا القرار لم يوقف ممارسات التجويع في السودان.

تفاقم الجوع في السودان يعكس استخدام التجويع كأداة للضغط والسيطرة من قبل الطرفين المتقاتلين. هذا الوضع الكارثي يهدد حياة ملايين السودانيين ويؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق، في ظل غياب حل سياسي أو إنساني فاعل ينهي هذه الأزمة المتفاقمة.