هل أطلق البرهان “الرصاصة الأخيرة” على الآلية الرباعية؟

الغد السوداني _ وكالات

تصريحات قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلال خطاب قدمه لكبار الضباط في أم درمان الأحد 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، تبدو وكأنها قطعت العلاقة بين الرباعية والحكومة السودانية.

لم تكن العلاقة بين الحكومة السودانية والآلية الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر متجانسة منذ تحركها في الملف السوداني رسميًا من أيلول/سبتمبر 2025.

وزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم كان قد أطلق “رصاصة الرحمة”- وفق توصيف دبلوماسيين- على الآلية الرباعية، حينما قال للصحفيين في بورتسودان إن السودان يتعامل مع الولايات المتحدة بشكل ثنائي إلى جانب السعودية ومصر دون أن يتطرق إلى الإمارات التي توجد في الرباعية منتصف الشهر الجاري، وأظهر سالم عدم اعتراف بالآلية الرباعية.

لكن لماذا بدت تصريحات البرهان بشأن الرباعية وأحد أبرز من يتحركون فيها وهو المستشار الأميركي مسعد بولس جريئة هذه المرة؟ للإجابة عن هذا السؤال نعود إلى زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن خلال الفترة بين 17 و19 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، وإجراء مباحثات مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأخير أشار إلى أن ولي العهد السعودي أخبره بشكل مفصل عن الصراع في السودان وقال: “لم أكن منخرطًا في الملف السوداني لأنني ظننت أن الأمور هناك فوضوية”.

قبل أن تغادر طائرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تعهد ترمب بتفعيل “الهياكل الدبلوماسية العليا” في واشنطن للتدخل في الملف السوداني، ورغم ترحاب الجيش والدعم السريع سويًا بالتصريحات الصادرة من الرئيس الأميركي بشأن السودان إلا أن مصالح الجانبين تبدو إزاء التحرك متضاربة حسب ملامح المبادرة التي ينوي ترمب التحرك عبرها لوقف الصراع المسلح في هذا البلد.

أبدى قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح “ترحيبًا كبيرًا” بالتحرك السعودي في الملف السوداني في أكثر من مناسبتين خلال أقل من أسبوع، الأولى بتغريدة على منصة “إكس” بعد أقل من ساعتين من تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساء 18 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، والثانية عندما قدم تنويرًا لكبار قادة الجيش في أم درمان الأحد 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، وشدد على أن المبادرة السعودية هي التي تحافظ على السودان ومؤسساته.

كما شن البرهان هجومًا على المستشار الأميركي مسعد بولس وقال إنه قدم “ورقة ثانية سيئة”، في إشارة إلى أنه قدم ورقتان الأولى رفضت والثانية كانت أسوأ من الأولى وفق توصيفه.

وحسب التسريبات التي تحصل عليها “الترا سودان” عن مصادر دبلوماسية فإن المقترحات الواردة في الورقة التي قدمها مسعد بولس لقائد الجيش تتضمن استمرار وضعية قوات الدعم السريع في مرحلة ما بعد الحرب حتى الوصول إلى جيش موحد على مستوى البلاد، كما شملت إطلاق عملية سياسية شاملة تؤدي إلى حكومة مدنية ذات مصداقية واسعة يوجد فيها أغلب الأطراف السياسية والمدنية  أنفسهم.

قال البرهان في الخطاب الذي وصف بأنه الأكثر سخونة  خلال الأشهر الأخيرة من أم درمان الأحد 23 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري: “لن نسمح بعودة حمدوك وحميدتي بعد أن فعلوا كل هذه الأمور والانتهاكات بالشعب السوداني”.
بإغلاق الباب أمام عودة حمدوك وحميدتي بدا البرهان وكأنه يرفض بنود دفعت بها الرباعية، ونصت على عودة الوضع في السودان إلى حالة تشبه “الشراكة التي كانت تسود خلال الفترة الانتقالية” قبل انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 مع تغييرات على مناطق سيطرة القوات العسكرية.

ويقول المحلل السياسي مصعب عبد الله لـ”الترا سودان” إن تصريحات البرهان أنهت أي علاقة بين الرباعية والحكومة السودانية، لأنها كانت هشة وغير متجانسة وتسودها الشكوك خاصة في ظل ووجود الإمارات ضمن هذه الآلية والمُتهمة في ذات الوقت بتمويل وتسليح قوات الدعم السريع وفق تصريحات قائد الجيش نفسه في خطابه الأخير أمام كبار الضباط في أم درمان.

ويقول مصعب عبد الله إن الرباعية لن تتمكن من التحرك لإقرار هدنة وفي الآونة كان المستشار الأميركي مسعد بولس درج على التحرك منفردًا مع الشكوك الصادرة من الحكومة السودانية تجاه أبوظبي.

وتابع: “تصريحات البرهان اتهمت رسميًا مسعد بولس بالانحياز إلى بعض أطراف الرباعية وعدم الحياد، بالتالي أصبحت الآلية الدولية منقسمة وستضطر إلى إجراء تعديلات جذرية على تفويضها وأعضائها، والأقرب استحواذ المبادرة السعودية على الملف السوداني”.

وكان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ألمح إلى أن وجود الإمارات ضمن الآلية الرباعية يعرقل خطط الوصول إلى سلام في السودان، مضيفًا أنها غير مبرئة للذمة.

جاءت تصريحات البرهان بعد أقل من شهر من تحرك أميركي وصفه دبلوماسيون بـ”غير الملموس والجاد” لإنهاء قطيعة بين السودان والإمارات أثناء مشاركة وفد من الحكومة السودانية في التفاوض حول الهدنة الإنسانية مع وزارة الخارجية الأميركية، بالتزامن مع وجود ممثلي الدعم السريع في واشنطن.

ويقول الباحث في الديمقراطية والسلام مجاهد أحمد إن الولايات المتحدة الأميركية لم تضع استراتيجية واضحة وفعالة لإنهاء حرب السودان، وتعاملت بصورة غير جادة خلال العامين الماضيين.

وأردف: “عندما صرح البرهان وكأنه ينعي الآلية الرباعية هو يعلم تمامًا أن زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن ولقاء ترمب ووضع أجندة السودان على طاولة البيت الأبيض غيرت المعادلة الدولية والإقليمية”.

وأضاف مجاهد أحمد: “يأمل البرهان في ممارسة الولايات المتحدة عقب تصريحات الرئيس الأميركي ووزير الخارجية ماركو روبيو ضغوطًا على قوات الدعم السريع، بما في ذلك إمكانية تصنيفها كمليشيا إرهابية حتى يكون التفاوض مع قادة هذه القوات  وفق مفهوم الدولة والقوة العسكرية المتمردة”.

ويصف مجاهد أحمد مهمة المجتمع الدولي إزاء جهود وقف الحرب في السودان بـ”المعقدة”، مشيرًا إلى أن التقاطعات الإقليمية والدولية تلقي بظلالها على الملف لأنها تريد هندسة وضع ما بعد الحرب بما يضمن عدم وجود نظام مدني ديمقراطي، بينما بعض الدول المؤثرة في المشهد السوداني تتمسك بهذا الخيار حتى لا تُتاح الفرصة أمام عودة الإسلاميين.
“نقلاً عن الترا سودان”

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.