مبارك علي يكتب..”لا بديل للحكم المدني الديمقراطي في السودان”
لا أرى للسودان مخرجًا من الكابوس الحالي إلا بوقف الحرب والعودة إلى الحكم المدني الديمقراطي. لقد عاش السودانيون أكثر من عامين بين ألسنة النيران، ولم يجنوا من الفقد والتشريد والانهيار. الشارع اليوم متعطش لاستعادة الأمن والاستقرار، بل ولإعادة الروح إلى جسد الدولة التي أنهكتها الصراعات.
المشهد السياسي السوداني غارق في العتمة، والأطراف المتحاربة لا تبدو جادة في إنهاء المأساة. منذ ثورة ديسمبر 2019م، حلمنا جميعًا بوطن يحكمه القانون وتعلو فيه قيم الديمقراطية، لكن الطريق انحرف سريعًا، وتعثرت التجربة الانتقالية بفعل الانقسامات والمكائد السياسية، حتى جاء انقلاب أكتوبر ليقضي على ما تبقى من الأمل، ثم أتت حرب 15 أبريل لتغلق الباب تمامًا أمام حلم التحول الديمقراطي.
اليوم، الانقسام واضح: هناك من يقف مع الجيش، ومن يساند الدعم السريع، ومن يقول “لا للحرب” منذ الطلقة الأولى، ومن التزم الصمت. لكن التجربة المرة علمتنا أن لا مصلحة تعلو على مصلحة وقف الحرب. يجب أن ننهي القتال فورًا، ونفتح باب انتقال مدني حقيقي لا يتجاوز العامين، ينتهي بانتخابات حرة تُعيد القرار للشعب.
لقد اقترب خطر تقسيم السودان إلى دويلات صغيرة أكثر من أي وقت مضى، وما لم نتنازل عن أنانيتنا ونقدم الوطن على المصالح الشخصية، سنجد أنفسنا على حافة الهاوية. القوى المدنية مطالَبة الآن بمراجعة أخطائها، وتحصين نقاط قوتها، ووضع خطة مفصلة لإدارة الانتقال نحو الديمقراطية، بعيدًا عن الارتجال والشللية.
الحكم المدني ليس شعارًا، بل ضمانة للاستقرار السياسي والاجتماعي، ووسيلة لتمكين الشعب من المشاركة في صنع القرار، وضمان سيادة القانون، وتعزيز التنمية الاقتصادية. هو أيضًا جواز مرور السودان إلى المجتمع الدولي بصورة مشرفة، مع حماية حقوق الإنسان وترسيخ مبادئ المواطنة والشفافية.
لكن لن نقطف ثمار الحكم المدني ما لم نغيّر من أنفسنا أولًا، ونختار من يتولى السلطة على أساس الكفاءة والنزاهة، لا الولاءات الضيقة. التجربة السابقة فشلت لأنها لم تجد من يحميها أو يطبقها بحزم، ولأننا كقوى سياسية واجتماعية لم نكن على قدر التحدي.
الوقت يضيق، والخيارات تتقلص، والضمان الوحيد لنجاة السودان من التفكك هو إيقاف الحرب واستكمال الفترة الانتقالية بحكومة مدنية مؤمنة بالتحول الديمقراطي. هذا هو الطريق الوحيد الذي أؤمن به، وأرى أنه لا بديل عنه.