
“حياة الآلاف على المحك”.. الفاشر: الجوع يضيّق الخناق على المواطنين
دارفور: مبارك علي
الحاج يعقوب حمد، ستيني من مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، يعمل بالأعمال الحرة، لم يعد يشغله سوى الحصول على وجبة تسد رمقه ورمق أبنائه الثلاثة، بعدما نفد كل ما يملكه من طعام، حتى طعام الأبقار (الأمباز). يقول لـ(الغد السوداني) إنهم يعيشون فقط للبقاء أحياء وسط حصار وقصف وجوع، حتى هذا البقاء أصبح مهدداً، فالخيار إما الموت جوعاً أو تحت قذائف مليشيا الدعم السريع أو أكل أي شيء يصلح للأكل.
ويروي يعقوب بحزن أن أسرته لجأت لأكل “الأمباز” وأوراق الأشجار لانعدام الغذاء في الفاشر المحاصرة من قوات الدعم السريع، التي منعت دخول الطعام والدواء والوقود. ويضيف أن أسعار السلع الأساسية بلغت مستويات غير مسبوقة لندرتها.
وكشف أن جوال الدقيق تجاوز سعره ثلاثة مليارات جنيه (ألف دولار تقريباً)، مشيراً إلى أن الأزمة الإنسانية تتدهور سريعاً، خاصة بالنسبة للأطفال، حيث اضطرت الأسر لاعتماد “الأمباز” كمصدر غذائي رئيسي.
ويتابع بأسى أن الأمباز، الذي صار طوق نجاة، أصبح بدوره نادراً وغالي الثمن، ونفد ما لديه من مال أو مقتنيات. ولا يعرف متى تنتهي هذه المعاناة. ويصف طريقة تحضيره بطحنه وخلطه بالماء ثم طهيه مع قليل من الملح قبل تناوله.
ويشير إلى أن القوات المسلحة كانت سابقاً تلقي مساعدات غذائية وطبية جواً، لكن هذه العمليات توقفت بعد إسقاط الدعم السريع لطائرة كانت تحاول إنزال السلع، رغم أن تلك الإمدادات لم تكن تغطي الحاجة بالكامل.
أواخر الأسبوع الماضي، دعت شبكة أطباء السودان السلطات والمنظمات الدولية لإنقاذ سكان الفاشر، ووصفت الوضع بـ”الكارثي” جراء الحصار المستمر منذ أكثر من عام، مبينة أن الجوع بلغ المرحلة الثالثة (الطوارئ) وفق التصنيف الدولي، مما يهدد حياة آلاف الأطفال والنساء والمسنين. وأكدت أن المدينة تعاني نقصاً حاداً في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب.
وطالبت الشبكة بفتح ممرات إنسانية آمنة لإيصال المساعدات ورفع الحصار، وناشدت الضمير العالمي للاستجابة الفورية، واصفة الفاشر بأنها مدينة منكوبة تعاني بصمت.
من جهته، حذر برنامج الأغذية العالمي من خطر المجاعة في الفاشر، مؤكداً أن المدينة معزولة تماماً، ولم يتمكن من إيصال المساعدات براً منذ أكثر من عام. وقال إنه يقدم دعماً نقدياً رقمياً لنحو 250 ألف شخص لشراء ما يتوفر في الأسواق، لكنه لا يغطي الاحتياجات، مؤكداً أن السكان باتوا يعتمدون على طعام بدائي كأعلاف الحيوانات.
“المعاناة فاقت التحمل”، تقول المواطنة زينب إسحق لـ(الغد السوداني)، موضحة أن أهالي الفاشر يعيشون على ما توفره التكايا وجهود أبناء المنطقة والخيرين. وأضافت: “لا خبز، لا طعام، لا ماء صالح للشرب، أطفالي فقدوا الوزن، ولا أستطيع توفير وجبة آدمية منذ عام”. وأكدت أن أطفال الفاشر معرضون للأمراض بسبب سوء التغذية والنظافة، والظروف لا إنسانية.
بدوره، وصف رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس ما يحدث بالفاشر بأنه جريمة حرب ترتكب بدم بارد، مؤكداً أن صمت المجتمع الدولي مشاركة غير مباشرة فيها، وأن المدينة تتعرض لابتزاز وتجويع ممنهج، متعهداً بالتحرك لفك الحصار وتأمين المساعدات.
وفي السياق، قالت تنسيقية لجان المقاومة بالفاشر إن المليشيا ترفض أي هدنة أو التزام إنساني، وتقصف المدينة، وتغلق الطرق، وتحفر الخنادق، وتهاجم أكثر من 220 مرة، وتقتل كل من يحاول إدخال البضائع، مما يزيد معاناة المدنيين، في ظل تجاهل المطالب الدولية بهدنة إنسانية.
كما ذكر تقرير لبي بي سي اليوم الاثنين وفاة خمسون شخصا بسبب الجوع.