اللاجئون السودانيون في إثيوبيا.. مأساة منسية

محمد عثمان ـ صحفي سوداني

“كل ما أطلبه هو إخراجي من هذا المكان، حتى لو كان هذا يعني عودتي للسودان”

لم يكن يتخيل آدم إسحاق، الذي كان عاملا إنسانيا في إحدى المنظمات الدولية يساعد النازحين ومتضرري الحروب في دارفور، أن يتحول هو نفسه إلى لاجئ منسي في دولة غريبة.

يعيش إسحاق الآن في إحدى الغابات في إثيوبيا مع الآلاف من السودانيين، الذين أجبرتهم الحرب المستمرة في بلادهم منذ أكثر من عام على الفرار، والوصول الي إحدى الغابات الموحشة في إثيوبيا.

“نحن نموت كل لحظة”

يقول إسحاق ـ بحسب ما نقله مراسل بي بي سي لشؤون السودان ـ إنهم خرجوا من معسكر “أولالا” الذي لجأوا إليه أولاً، بعد تكرار هجمات من عصابات إجرامية على المعسكر وتهديد اللاجئين ونهب الممتلكات وحتى الخيام.

ويضيف: “لم يكن بد من الخروج من المعسكر، وكنا نريد الذهاب الي مقر مفوضية الأمم المتحدة في مدينة قندهر، لكن رجال الأمن منعونا وصرنا في وسط الغابة”.

ومضي يقول: “الحياة هنا قاسية للغاية.. لا وجود للمياه ولا الطعام ولا المأوى.. نعاني من الأمطار المستمرة والرياح العاتية.. هنالك حيوانات متوحشة مثل التماسيح والثعابين.. الكثير بمن فيهم الأطفال تعرضوا للدغات الثعابين”.

مكثوا قرابة الشهر في الغابة، التي تقع على أحد طرق المرور السريع، وسط طقس سيء شهد سقوط الأمطار المصحوبة بالرياح العاتية مع انخفاض في درجات الحرارة.

أما مريم ربة المنزل، والتي أجبرت على ترك منزلها في الخرطوم بسبب الحرب، فقد أصيبت بأمراض عدة مثل الملاريا والبلهارسيا.

وقالت إنها جاءت برفقة أبنائها الذين بينهم من يعاني من أمراض نفسية.

وأوضحت وهي تبكي: “منذ وصولنا ونحن نعيش مأساة تلو الأخرى.. بتنا نموت كل يوم وكل لحظة.. الوضع هنا صعب.. لا يوجد أي شيء.. كل ما أطلبه هو إخراجي من هذا المكان، حتى لو أعود مرة أخرى للسودان.. تعبت جدا وأريد الخروج من هذا المكان بأي ثمن”.

“هجمات مسلحة”

عبر اللاجئون الذين جاءوا من مناطق مختلفة من السودان إلى إثيوبيا من خلال معبر “المتمة” الحدودي، ووصلوا إلى مدينة قندهر في إقليم أمهرا، قبل أن يستقر بهم المقام في معسكري “أولالا” و”كومر”.

معسكر “أولالا”، الذي كان يضم لاجئين من جنسيات أخرى من إريتريا وجنوب السودان، لم يكن آمنا، بحسب بيان صادر عن تنسيقية اللاجئين السودانيين.

وقال اللاجئون إنهم تعرضوا لهجمات من قبل مجموعات مسلحة، بعضها معارض للسلطة والبعض الآخر هاجمت المعسكر بغرض النهب والسلب.

أما معسكر “كومر” فإن غالبيته من اللاجئين من جنوب السودان، وفيه عدد أقل من اللاجئين السودانيين الذين قرروا مغادرته بسبب سوء الأوضاع الأمنية، كما أفاد أحد اللاجئين السودانيين.

وتقول إحدى الفتيات إنها تعرضت لمحاولة اغتصاب، خلال مكوثها القصير في المعسكر.

وأوضحت وهي تتحدث عبر الهاتف: “قبل أكثر من شهر وعندما خيم الظلام على المعسكر، هاجم مسلحون الأجزاء الجنوبية وكنت حينها خارج الخيمة التي أقطن فيها، وحاول أحد المسلحين الاقتراب مني واغتصابي ولكني صرخت.. فهرب مسرعا”.

وقالت الفتاة، التي كانت تعمل كممرضة في أحد المستشفيات في الخرطوم: “عرفت بعدها أن العديد من السيدات تعرضن للاغتصاب أو محاولات الاغتصاب.. وهو السبب الذي جعلنا نغادر هذا المكان”.

“أصبحنا محاصرين”

ومنذ اندلاع الحرب الدموية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان من العام الماضي، أُجبر أكثر من ثمانية ملايين سوداني علي ترك ديارهم، ووصل نحو مليون ونصف المليون شخص إلى دول الجوار بما فيها إثيوبيا، والتي احتضنت أكثر من 100 ألف شخص، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

هناك تضارب في أرقام العالقين داخل الغابة، فبينما يقول اللاجئون إن عددهم ستة آلاف شخص بمن فيهم الأطفال، تقول منظمات إغاثية إن عددهم نحو ألف شخص، خرجوا من معسكري “أولالا” و”كومر”.

ومع تكرار الهجمات على اللاجئين قرر الآلاف منهم مغادرة المكان، بعد أن أصبح المكوث يشكل خطرا على حياتهم، بحسب محمد عبد الحميد، وهو أحد القيادات وسط اللاجئين.

وقال لبي بي سي: “تم الهجوم على المعسكر عند الصباح الباكر وسمعنا أصوات الرصاص، وقررنا المغادرة.. كنا متوجهين نحو مباني المفوضية في قندهر، لكن السلطات الأمنية منعتنا وأصبحنا محاصرين داخل هذه الغابة لمدة شهر كامل”.

وأضاف أنهم بعدما خاطبوا مفوضية الأمم المتحدة والجهات الرسمية بضرورة حمايتهم وتقديم العون لهم، لم يجدوا الاستجابة، فعمدوا إلى الدخول في إضراب عن الطعام.

واستطرد يقول: “كنا نريد للعالم أن يعرف بما حدث لنا بعد أن تم تهميشنا وازدياد المخاطر في الغابة، فلم نجد بُدّاً من الإضراب عن الطعام.. صحيح أن الوضع الإنساني صعب، لكننا نعتقد أن سلاح الإضراب فعال لإيصال صوتنا.. ونحن الآن ندخل في الأسبوع الثاني من الإضراب”.

” نأسف لما حدث”

السلطات الإثيوبية ممثلة في دائرة المهاجرين قالت إنها حريصة على سلامة اللاجئين العالقين.

وقالت في بيان إنها قدمت بالفعل خدمات طبية لهم داخل المكان الذي يمكثون فيه، بالإضافة إلى لاجئين في معسكرات أخرى.

وقالت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إنها، وبالتعاون مع السلطات الإثيوبية، سيّرت دوريات في المنطقة لحماية اللاجئين، وإنها ستعمل على إجلاء من يقرر المغادرة.

تواصلتُ مع مصدر دبلوماسي بالسفارة السودانية في أديس أبابا، وقال إنهم يتابعون الواقعة عن كثب وإنهم على تواصل مع السلطات الإثيوبية.

وقال، بعد أن فضل حجب هويته، إنهم قلقون للغاية بشأن العالقين والظروف التي يمرون بها.

وأضاف: “متواصلون مع السلطات الإثيوبية من أجل توفير مكان آمن للاجئين، وتقديم الخدمات الضرورية ونأسف لما حدث لهم”.

ويأمل آدم ومعه العالقون السودانيون أن تنتهي محنتهم قريبا، قبل أن تتفاقم أوضاعهم ويصبحوا لاجئين منسيين، على غرار ما حدث للسودانيين الذين نزحوا داخل بلادهم ولم يعد يشعر بهم أحد.