اعلان ماس فيتالس

مفقودو الحرب.. غابت أخبارهم وبقي الوجع

الخرطوم: مبارك علي

لم تجد أسرة محمد صالح إبراهيم، المفقود منذ أكثر من عام بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع منطقة جبل أولياء التي تبعد (40) كيلومترًا جنوب الخرطوم، بارقة أمل في العثور على ابنها محمد، البالغ من العمر (33) عامًا.

حفيت أقدام أسرة هويدا في البحث عن ابنهم، عقب إعلان القوات المسلحة عن إطلاق أسرى تم العثور عليهم في منطقة الجبل، عقب استرداد الجيش للمنطقة من أيدي قوات الدعم السريع في شهر أبريل من العام الجاري.

وقالت شقيقة المفقود، هويدا صالح، لـ(الغد السوداني):

“نزحت أسرتي إلى جبل أولياء عقب اجتياح قوات الدعم السريع حي الكلاكلة صنقعت، إلى منطقة الجبل التي كانت ضمن المناطق التي يسيطر عليها الجيش إبان بداية الحرب، ومكثنا بها لفترة طويلة، وعندما اشتدت المواجهات بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، نزحنا مجددًا نحو ولاية النيل الأبيض، ومنها إلى ولاية القضارف.”

وأضافت: “قبل خروجنا من جبل أولياء، تم توقيف شقيقي محمد من قبل أفراد قوات الدعم السريع بتهمة انتمائه إلى الحركة الإسلامية (الفلول كما يسمونها)، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخباره عنا. وحتى هذه اللحظة، لا نعلم إن كان حيًّا أم ميتًا.”

ولفتت إلى أن أسرتها بدأت البحث عن ابنها عقب دخول القوات المسلحة إلى جبل أولياء وإطلاق سراح بعض الأسرى، “لكننا لم نطالع اسمه ضمن الكشوفات التي نُشرت في وسائل التواصل الاجتماعي. بل تحركنا إلى جبل أولياء، وإلى مستشفيات ربك وود مدني، وغيرها من المدن التي أُرسل إليها أسرى لتلقي العلاج أو المتابعة الصحية، وفي كل تلك المدن لم نعثر على شقيقي، ولا حتى على معلومة تفيد بوجوده على قيد الحياة.”

وأضافت بأسى: “نحن حالياً مشفقون على الوالدة، التي لم تتذوق طعم الحياة، وفقدت رغبتها في تناول الطعام، ولم تتوقف دموعها ليل نهار، وفارق النوم جفونها حزنًا على محمد.”

وأشارت إلى أن أسرتها حاليًا “مكتوفة الأيدي حيال مصير ابنها، الذي لا نعرف أين هو ولا ما مصيره”، متسائلة: “إلى أين نتجه؟ ولمن نسأل بعد الخيبات التي خرجنا بها من عمليات البحث المضنية؟”

تُعد قضية المفقودين في السودان من أكثر القضايا إيلامًا وتعقيدًا في السياق الإنساني والسياسي للبلاد، خاصة عقب اندلاع الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في أبريل 2023م. فمع تصاعد النزاع المسلح وتفكك مؤسسات الدولة، باتت ظاهرة الاختفاء القسري والاختطاف والفقدان واقعًا يعيشه المجتمع السوداني.

منظمة الأمم المتحدة لم تتوصل إلى الرقم الحقيقي للمفقودين في السودان، وأكد خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان، رضوان نويصر، أن الإحصائيات الدقيقة حول المفقودين لم تتوفر بعد، نظرًا لتباين الأرقام بين المصادر المختلفة.

وقال رضوان، وفقًا لموقع الأمم المتحدة: “إن الاختفاء القسري وفقدان الأشخاص مشكلة موجودة في السودان، وهذه الانتهاكات ليست الوحيدة التي خلفتها الحرب.”

وتأسف الخبير من عدم إيلاء الأطراف المعنية أهمية كبيرة للمسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، مشيرًا إلى “التدمير الكبير الذي لحق بالمناطق السكنية، وانتهاك الحقوق، وطرد المدنيين من منازلهم، والاغتصاب الجنسي، فضلًا عن التجنيد القسري من قبل طرفي الحرب”.

وتابع قائلًا: “ما يؤسف عليه بحسب التجربة أن طرفي الحرب لا يفردان مساحة كافية لحقوق الإنسان. كانت هناك دعوات متكررة من الأمم المتحدة بكافة منظماتها لحماية المدنيين وعدم الزج بهم في الصراع، لكن للأسف لم تجد تلك الدعوات والتحركات الدولية أذنًا صاغية، ولم تُحرز نتيجة تُذكر.”

وكشف نويصر أن معظم الحالات التي تم تسجيلها تتركز في مناطق النزاع مثل: (الخرطوم، ولايات دارفور، النيل الأبيض، وسنار).

من جانبه، قال المهتم بحقوق الإنسان، الهادي محمد أحمد، لـ(الغد السوداني): “إن أزمة المفقودين في السودان تشكل هاجسًا للكثير من الأسر التي فقدت أبناءها خلال الحرب الجارية، والتي لم تلتزم بالقوانين الدولية.”

لافتًا إلى أن “المنظمات العالمية هي من تنشط في ملف المفقودين، خاصة بعد تصاعد أعدادهم التي لم تُرصد بشكل دقيق”. وأضاف الهادي أن “فقدان الأفراد هو أحد تداعيات الحرب التي اجتاحت الأسر السودانية، وفقدان الأشخاص زاد من معاناة السودانيين، لأن أسباب الفقدان ومواقع حدوثه غير معروفة بدقة.”

ودعا المنظمات المحلية والإقليمية والدولية إلى “تكثيف عمليات البحث عن الأشخاص المفقودين المُبلغ عنهم في كافة المناطق التي تقع تحت سيطرة طرفي الحرب (القوات المسلحة – قوات الدعم السريع)، مع إعطاء الأولوية للمدنيين الذين أُقحموا في الحرب بلا مبرر.”

وأضاف: “هناك مفقودون موجودون في زنازين طرفي الحرب، سواء كانوا نشطاء سياسيين، أو أطفالًا ونساء هربوا من مناطق القتال، بجانب مدنيين اختفوا أثناء محاولاتهم اللجوء أو الهرب من العنف.”

وقدّرت “المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات” العدد بنحو خمسين ألف مفقود، فيما وثقت منظمات حقوقية سودانية ما لا يقل عن ثلاثة آلاف حالة.

وقالت المتحدثة الإقليمية باسم الصليب الأحمر، إيمان طرابلسي، إن “فرق الحماية التابعة للصليب الأحمر في السودان تستقبل اتصالات للإبلاغ عن حالات فقدان واختفاء لأفراد العائلات”.

وأوضحت أن “البلاغات لم تتوقف، وهي مستمرة يوميًا، وأن عمليات البحث عن المفقودين المُبلغ عنهم مستمرة، لكنها تعتريها عثرات أبرزها استمرار القتال، بجانب شُح الإمكانيات والموارد الطبية التي تُعيق عمليات التعرف على الجثامين”.

وأضافت طرابلسي:

“لا توجد أرقام حقيقية للمفقودين في السودان منذ بدء الحرب، لأن الجهات الرسمية هي المخولة بتقديم المعلومات الدقيقة حول أعداد المفقودين، إلا أن ذلك ليس متاحًا حاليًا بسبب تواصل القتال.”

من جهته، أكد المحامي في “محامو الطوارئ”، أيمن الرشيد، وجود لجنة من المحامين تعمل على رصد ومتابعة الانتهاكات وتوثيق حالات الاختفاء القسري، وقال:

“نُطالب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بإجراء تحقيقات دولية، لأن السلطة الحاكمة لم تُصدر أي بيانات حول مصير المفقودين، ولم تُشكّل لجانًا مستقلة للتحقيق.”

وأوضح في حديثه لـ(الغد السوداني):

“اتجهنا للمجتمع الدولي لأن السلطة تتجاهل الملف، بينما دعت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى الكشف عن مصير المختفين، وفتح ممرات إنسانية، وضمان المساءلة.”

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.