السودان بين نيران الأنانية وضياع الدولة
بقلم : عروة الصادق
منذ سقوط نظام الإنقاذ في 2019م، والسودان يسير في دوامة من الأزمات، كلما لاح أمل في الأفق، انقضّ عليه طيف من الفوضى، الانقلابات، والانهيارات المتتالية، ولكن خلف هذه المشاهد الدامية، يكمن عامل عميق وخطير: الأنانية… تلك التي اتخذت أشكال السلطة، والفرد، والكيان، حتى تحوّلت إلى سرطان ينهش في جسد الوطن.
● أولاً: أنانية السلطة… حكم من أجل البقاء لا البناء
منذ لحظة فضّ الاعتصام في 2019م، كان جليًّا أن السلطة العسكرية الحاكمة بقيادة عبد الفتاح البرهان ومجلسه الانقلابي، لم تكن تفكر في مصلحة السودان، بل في كيفية الإفلات من المحاسبة على الجرائم التي ارتُكبت بحق المعتصمين. لم يكن الانقلاب في أكتوبر 2021م خطوة لإنقاذ الانتقال، بل قفزة فوق العدالة.
البرهان في سعيه للبقاء في السلطة، لم يتردد في عقد التحالفات مع بقايا النظام البائد، واستخدم الدولة كدرع شخصي، بينما زُجّ بالشعب في جحيم الحرب، بدءًا من أبريل 2023، في صراع دموي مع قوات الدعم السريع، لم يكن هدفه حماية الوطن، بل إعادة تموضع في مشهد السلطة.
لذلك اختار إعاقة الفترة الانتقالية وتعطيل تكوين لجنة استئناف قرارات التفكيك، ليخلق حالة من الحنق والاحتقان والتعبئة ضد قرارات اللجنة التي جردت الحزب المحلول من موارده ومن معاول الهدم التي كان يستخدمها في تدمير الفترة الانتقالية من داخل دولاب الدولة، ومضى البرهان ليستكمل تلك الحلقات التدمرية التآمرية بنقضي غزل الفترة الانتقالية وتمكين عناصر التنظيم الإخواني والحزب المحلول من مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والاقتصادية لينفرد بالحكم وحده لا شريك له.
● ثانيًا: أنانية الأفراد … عندما تتغلّب المصلحة الذاتية على المبدأ
في المشهد السياسي والمدني، لم تكن السلطة وحدها أنانية، بل كثير من النخب السياسية، من المدنيين والمعارضين، انشغلوا بتقاسم المقاعد وتسجيل النقاط بدلًا من التوافق على مشروع وطني جامع، واختار بعضهم السكوت على جرائم العسكر، أو التحالف معهم، في سبيل منصب أو نفوذ عابر، ورأينا كيف طبل أفراد لإشعال الحرب من أجل منصب زال ظله قبل زوال شمس الضحى؛ في مشهد أناني مقزز.
بل إن بعض الوجوه الثورية، التي وُلدت من رحم الشارع، وقعت في فخ الأنانية النرجسية، حيث تحوّلت الثورة من مشروع جماعي إلى منصة شخصية للظهور والتفوّق، مما شوّه كثيرًا من المبادرات، وأفقد الشارع الثقة في قياداته.
● ثالثًا: أنانية الكيانات… الإسلام السياسي نموذجًا
لعلّ النموذج الأوضح للأنانية الكيانية يتمثل في الإخوان المسلمين في السودان، حين أسقطتهم الثورة، لم يكتفوا بالخروج من المشهد، بل عمدوا إلى تفجير الوطن من الداخل، عبر دعم الانقلابات، وتخريب مسارات الانتقال، وإعادة التمكين داخل أجهزة الدولة.
تحالفاتهم الخفية مع المؤسسة العسكرية، وعودة عناصرهم في الإدارة والإعلام والمال، كانت تهدف إلى إجهاض الثورة وإعادة عقارب الساعة للوراء، حتى وإن احترق السودان. لقد قدّموا مثالًا صريحًا على أن الكيان الذي لا يرى وجوده إلا عبر السلطة، لا يتردّد في إحراق الوطن مقابل بقائه.
والآن بأنانيتهم لتجنب المساءلة عن الدماء التي أهرقت والجرائم التي ارتكبت تراهم يصرون على المضي في تسعير نيران الحرب، وشيطنة كل من يسعى أو يعمل أو يقول بضرورة إيقافها، وبذلوا في ذلك مدادا وأموالا طائلة، وصمموا حملات اغتيال مادي ومعنوي لكل من يقف ضد الحرب، ويكشف زيف وبطلان دعاياتها.
● كانت النتيجة: وطن تآكله الجشع، ويبحث عن ذاته بين الركام
تفكّك الدولة وانهيار الخدمات.
ملايين النازحين داخليًا وخارجيًا.
انهيار الثقة بين القوى السياسية والعسكرية.
غياب الأمل لدى جيلٍ نشأ على أحلام الثورة.
● ختامًا: ليست المشكلة فقط في من يقتل ويقصف، بل في الأنانية التي تسمح له بذلك، والسودان لن ينهض طالما ظلّ أسير أنانية أفراده، وسلطته، وكياناته، فالنجاة الحقيقية ليست في قفز فرد من المسؤولية، بل في صحوة جماعية تُعيد للوطن كرامته وللثورة معناها.
orwaalsadig@gmail.com