“السودان بين فكي الحروب الإقليمية: الحرب الإسرائيلية الإيرانية كجــرس إنــذار”
بقلم: عروة الصادق
● الحروب عبء الشعوب المثقل للكواهل، والذي لا تشجعه إلا أمزجة شاذة وفطرة منتكسة، ففي الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى الحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، يقف السودان – كما العادة – على الهامش الملتهب للمعادلة الإقليمية، لا لاعبًا مؤثرًا، ولا متفرجًا محايدًا، بل كأرضٍ رخوة قابلة للاختراق، وكساحة محتملة لحروب الوكالة، وكمخلب قط أيدولوجي واهم، وهذه الحرب وإن بدت بعيدة جغرافيًا، فإن ارتداداتها، بحكم التاريخ والجغرافيا والسياسة، قد تصل إلى قلب السودان، وتضرب ما تبقى من كيانه الهش، واقتصاده المنهار، وسيادته الممزقة التي أوهنها انقلاب أكتوبر ٢٠٢١م وأجهزت عليها حرب إبريل ٢٠٢٣م.
● أولاً: الحرب الإسرائيلية الإيرانية .. لماذا تعني السودان؟
لإيران تاريخٌ طويل من التمدد في الدول الضعيفة والمفككة، حيث تجد في الفوضى مرتعًا، وفي الانقسامات مدخلاً، وفي الصراعات سبيلاً للتغلغل العسكري والأيديولوجي، والسودان كان أحد تلك الحلقات، خاصة خلال فترة حكم المخلوع البشير، حيث أصبح معبرًا لتهريب السلاح إلى حماس، وملاذًا لشبكات الحرس الثوري الإيراني ومؤسساته التصنيعية، واستباحت إيران والحرس الثوري الإيراني كافة المرافق العسكرية والاستراتيجية والأمنية في البلاد وصارت المتعهد الأوحد للتدريب الخاص والتصنيع الحربي، من الجانب الآخر تسعى إسرائيل، عبر بوابة البحر الأحمر، لضرب النفوذ الإيراني في العمق، سواء في اليمن أو أفريقيا، وهو ما يضع السودان تلقائيًا في مرمى النظر، أو مرمى النيران.
● ثانياً: الانعكاسات المحتملة على السودان
1. البحر الأحمر على صفيح ساخن: تصعيد الحرب الإسرائيلية الإيرانية يُعيد البحر الأحمر إلى بؤرة التوتر الدولي، فمع وجود ميناء بورتسودان، وحدود بحرية واسعة، وضعف في السيطرة السيادية، قد يجد السودان نفسه طرفًا غير معلن في صراعٍ بحري بين القوى المتحاربة، سواء عبر تفجيرات السفن، أو نشاط الاستخبارات، أو تهريب الأسلحة الذي نشط بصورة فعلية هذه الأيام.
2. عودة شبكات النفوذ الإيراني: في ظل غياب الدولة المركزية، والحرب بين الجيش والدعم السريع، يسيل لعاب طهران لإعادة تموضعها في السودان، عبر تسليح مليشيات، أو دعم قوى أيديولوجية، وهذا السيناريو لن يكون مستبعدًا، خاصة إذا شعرت إيران أن تل أبيب تطوّقها من خاصرتها الأفريقية.
3. تفاقم الانقسام الداخلي: الاستقطاب الإقليمي يعني اصطفاف داخلي، وكل طرف سوداني سيبحث عن داعم خارجي، وكل فصيل قد ينجرف إلى حرب الآخرين، معتقدًا أنه يكسب أوراقًا داخلية، بينما الحقيقة أنه يخسر الوطن.
4. الاقتصاد نحو هاوية أعمق: أي توتر في المضائق البحرية، وخصوصًا باب المندب، سيرفع تكلفة الاستيراد، ويهدد بإغلاق خطوط التوريد، خصوصًا في الوقود والدواء والغذاء، والأسوأ أن المساعدات الخليجية، التي يعتمد عليها السودان، قد تتضاءل بفعل انشغال المانحين بصراعاتهم المباشرة.
5. تمدد الحرب السيبرانية والمعلوماتية: الحرب بين إسرائيل وإيران لا تُخاض فقط في الميدان، بل أيضًا في الفضاء الإلكتروني، والسودان قد يصبح نقطة انطلاق لهجمات سيبرانية أو ساحة تجريبية للأدوات الرقمية، مستغلين هشاشته التقنية وغياب الحوكمة الإلكترونية، ومرور الكوابل الدولية بالساحل السوداني ومياهه الإقليمية.
● ثالثاً: الدروس التي يجب أن يتعلمها السودانيون
1. لا عدو دائم، ولا حليف دائم، بل مصلحة وطنية دائمة: الاستقطاب الأيديولوجي ليس مشروع دولة، بل وصفة انتحار جماعي، والسودان لا يجب أن يكون في جيب أحد، لا طهران، ولا تل أبيب، ولا الخليج، ولا حتى واشنطن، وينبغي أن يعود القرار إلى الخرطوم، لا إلى العواصم البعيدة.
2. لا حياد من دون وحدة داخلية: الحياد الإيجابي لا يُبنى على الفوضى، بل على دولة قوية، موحدة، بعقيدة وطنية واضحة، ولا يمكن مقاومة التدخل الخارجي بجيشين، ولا بسلطات متنازعة، ولا بخطابات شعبوية، ولا بانقسام مجتمعي حاد.
3. القوة الحقيقية تبدأ من الداخل: من أراد أن يتفادى مصير سوريا واليمن، فليبنِ مؤسسات، وليحترم الدستور، ولينزع سلاح الميليشيات، وليدفع نحو سلام شامل لا يُقصي أحدًا ولا يُرضي طرفًا دون سواه، وليقزم دور الجماعات المنكفئة المتطرفة التي تنفخ في كير النزاع وتقتات من اقتصاد الحرب.
4. لا سلام دون أمن بحري: السودان مطالب بوضع استراتيجية بحرية واضحة، تعيد تأهيل قواته البحرية، وتحمي سواحله، وتراقب مجاله البحري ضد أي نشاط مشبوه، سواء كان إسرائيليًا أو إيرانيًا أو حتى منظمات تهريب.
5. المعرفة سلاح المستقبل: ينبغي على السودان أن يستثمر في الأمن السيبراني، والتعليم الرقمي، وبناء استخبارات قادرة على مواجهة حرب المعلومات، والتحكم في مجاله الرقمي، بدلاً من أن يتحوّل إلى ضحية لا ترى النار إلا بعد أن تلتهمها.
🎯 ختامًا: هذه الحرب إنذار لا فرصة، ودعوة للعقل لا نداء جنوني صاخب، ومن أراد أن يجعل من الفرصة أزمة فعليه أن يتعظ ويتعلم ويستشرف ما يمكن أن يحدث للسودان نتيجة اتساع رقعة هذه الحرب، فالحرب الإسرائيلية الإيرانية ليست مناسبة للاصطفاف، أو دعوة لإحياء التحالفات الأيدولوجية والشعارات الدينية، بل جرس إنذار ينبّه السودان إلى هشاشته، وإلى أن تأجيل بناء الدولة لم يعد خيارًا، إما أن نتعلم من الدمار حولنا وننهض، أو ننتظر أن يصبح الخراب ضيفًا مقيمًا في مدننا، لأنه في زمن التحولات الكبرى، لا يرحم التاريخ من لا يختار مصيره بيديه، ونحن لا ينبغي أن نختار مصيرنا بل علينا صناعته.
orwaalsadig@gmail.com