اعلان ماس فيتالس

متدينات ولكن… يؤمِّنّ ببعض الكتاب

بقلم: ندى أبوسن

ظلت مسألة تعدد الزوجات مثار جدل مستمر، يؤرِّق المجتمعات المسلمة ويهدد استقرارها وسلمها الداخلي، وذلك دون العمل على دراسة جادة تحاول التعرف على أسباب رفض التعدد، بالرغم من أن الله عز وجل قد أباحه، خاصة وأن الرفض للتعدد يأتي أحياناً من بعض الرجال.

كما تُصنِّف بعض المجتمعات المسلمة التعدد كخيانة زوجية، متجاهلة أنه قدرٌ من أقدار الله وقضائه التي سطرها في اللوح المحفوظ منذ الأزل، وقبل أن يخلق الإنسان. حدد الله تعالى قدره منذ ولادته إلى مماته، والزواج أحد أقدار الله تبارك وتعالى. لذا، لا بد للمسلم من تقبل القدر خيره وشره.

لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].

وقد أحلَّ الله تعالى للرجل الزواج بأربع نساء إن طاب له، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 3].

وفي تفسير الإمام ابن باز للآية يقول:
“أن الرجل يُشرَع له نكاح اليتيمة التي عنده إذا كانت مناسبة له، ويعطيها مهرها الواجب وينكحها بالوجه الشرعي، كبنت عمه اليتيمة عنده، أو بنت خاله اليتيمة. يُشرَع له أن يتزوجها إذا رغبت فيه، إذا وافقت على ذلك، وعليه أن يعطيها المهر المعتاد وألا يظلمها. فإن خاف ألا يقوم بالواجب وألا يُقسط في حقها لأنها تحت يده فليزوجها غيره، وليتزوج من سواها حتى لا يظلمها. إما أن يعطيها حقها كاملاً إذا رضيت به، وإما أن يزوجها غيره، ولا يتساهل يقول: هذه يتيمة ويكفيها نصف المهر، لا، ما يصلح، قد تستحي ولا تطلب، لكن ينصفها، يعطيها حقها كاملاً، وإلا فليزوجها غيره. فإذا لم يتزوجها؛ يلتمس سواها، النساء كثير، وله السعة في هذا إن شاء تزوج ثنتين، إن شاء تزوج ثلاث، وإن شاء تزوج أربع.

وهذه الآية تعطي أن نكاح الثنتين والثلاث والأربع أفضل؛ لأن الله قال: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾. ما قال: فانكحوا واحدة، قال: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: 3]، فدل ذلك على أنه يختار ويتأمل، يتزوج ثنتين، يتزوج ثلاثاً، يتزوج أربعاً؛ لأن في ذلك إعفافاً له، وإعفافاً لهن أيضاً.” انتهى تفسير الإمام ابن باز.

وحتى تتقبل النساء فكرة التعدد، لا بد لهن أن يفهمن أولاً طبيعة الرجال وأنهم قد فُطِروا على التعدد، وهو الأمر الذي ثبت من خلال التاريخ الطويل للإنسانية. فآدم قلبه قادر على حمل الحب لعدة نساء في آنٍ واحد، وهو يحلق في عوالم الحب والجمال بينما هو يعيش مع زوجته، وهو لطيف ومطبوع ومطيع، وفي ذات الوقت يكون عاشقاً متيماً بأخرى طامحاً في الزواج بها. وهو الأمر الذي تظل تنكره حواء باستمرار، وتتوهم أن آدم ملك حر لها وحدها وأنها (زي الفريك ما تحبش شريك). وبعضهن يصلن في إنكارهن للتعدد حد تفضيل أن يقع الرجل في الحرام على أن يأتي بزوجه أخرى، بينما أحل الله تبارك وتعالى التعدد لأجل عفة الرجال والنساء، والحفاظ على المجتمع المسلم من الرذيلة المنتشرة حالياً في مجتمعاتنا بسبب خوف الرجال من الإقدام على الحلال إرضاءً لزوجاتهم.

ولكن هناك أسباب منطقية تسوقها النساء جعلتهن لا يتقبلن التعدد، أهمها الميل للزوجة الجديدة وعدم العدل في النفقة والهجر الذي قد يمتد لسنوات طويلة، فتظل الزوجة معلقة لا هي متزوجة ولا هي مطلقة. وقد يقع الهجر على عدد من زوجاته بينما يعيش هو مستمتعاً بحياته، وهو الأمر الذي نهى الله تبارك وتعالى عنه في قوله: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 129].

كذلك نظرة المجتمع التي تُصعِّب على المرأة تقبل التعدد، وعلى وجه الخصوص أسرة الزوجة والمحيطين بها، وما يصاحب خبر الزواج من شائعات وخلافات كبيرة توصل إلى الانفصال. كذلك إحساس الزوجة بشماتة البعض. وجميعها مشاعر مؤذية للزوجة تُصعِّب عليها تقبل فكرة التعدد. ولكن المثير في أمر النساء أنهن يقبلن التعدد إذا جئن على الزوجة الأولى، بينما يرفضنه إذا جاءت عليهن زوجة ثالثة، وهو تناقض عجيب وأنانية مفرطة.

تظل حواء مقتنعة تماماً بأن آدم لها وحدها، حتى يفعلها آدم ويأتي بثانية فتستفيق حواء من حلمها الخيالي وتدرك أنها قد فقدت السيطرة. وبعد الصدمة الأولى وما يصاحبها من ردود أفعال، تستعيد حواء رباطة جأشها وتحاول التماسك من جديد واستعادة السيطرة، ويبدأ آدم مع شدة الحصار وحدَّة رد فعل حواء بتمثيل دور الضحية، ويقدم العذر ((المستخدم جماعياً للمعددين)) بأنه قد استُلب، وأنه لا يدري كيف حدث ذلك. وينجح آدم في إقناع الزوجة الأولى بذلك، والتي تتعاطى مع أي رسالة من الزوج تثبت لها أنها الوحيدة في حياته، مما يحفزها للتأهب لاستعادته، وتوجه سهامها نحو (الشلابة) (خطافة الرجال) ليبدأ صراع الأفيال وطحن العظام بين الزوجتين. وفي ذات الوقت، تنشغلان في التنافس على جذب اهتمام آدم وإرضائه بشتى السبل لينجو آدم (المحظوظ) أخيراً بنفسه. ومع الهدوء النسبي، يحلق آدم مرة أخرى بخياله في عالم الحب والجمال حتى تأتي الثالثة ليبدأ صراع الزوجة الثانية ومعاناتها وشماتة الزوجة الأولى وتشفيها في الثانية بعد أن تعودت على وجود الثانية وعيالها.

إذن هي حلقة مفرغة، لا ضمانات فيها. لذا فإن العاقلات من النساء – وهن قليل – لا يعلقن قلوبهن بالرجل. والأقوى منهن هي من تتعامل بشكل إيجابي وتتعايش في وئام مع الزوجة الجديدة، مما يثير دهشة الآخرين، وقد قابلتني نماذج عديدة لهذا النوع.

لذا، ومن هذا المنطلق، أعتقد أنه لا بد للنساء من التصالح مع فكرة التعدد حفاظاً على تماسك الأسرة وصلة الأرحام، نظراً لما يترتب على الزواج من إنجاب الزوجتين للأبناء الذين لا بد أن ينشأوا في جو أسري معافى متحابين مترابطين. وحتى تتجنب الأسر المشاكل مما يجلب التعاسة على الجميع، خاصة وأن هناك زوجات ينعكس رفضهن لزواج رجلهن في شكل تصرفات عنيفة وأخلاق سيئة ونشوء جو من النكد. وقد يصل الأمر حد الذهاب إلى السحرة والدجالين لإفساد الزواج الجديد، وهذه الممارسات للأسف منتشرة ومعروفة في المجتمعات المسلمة، مع علمها أن إتيان السحرة مكفر ومخرج من الملة، وهو ما يجعلنا نقول إن بعض النساء ((يؤمِّنّ ببعض الكتاب)).

كما أن ميل الرجل للزوجة الجديدة وإهماله لزوجته الأولى الذي قد يؤدي إلى هجرها لسنوات وإهماله لأبنائه منها، هو أحد أسباب رفض التعدد، وهو في الحقيقة تصرف يدل على عدم الرشد والاتزان وضعف الشخصية، وهي صفات تُعتبر أساسية يجب توفرها في شخصية الزوج. كما أن ميل الزوج لزوجة دون الأخرى منهي عنه.

لقوله تعالى: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: 129].
بمعنى: لن تستطيعوا أيها الرجال أن تُساووا بين النساء من جميع الوجوه، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع، كما قاله ابن عباس، وعبيدة السلماني، ومجاهد، والحسن البصري. انتهى التفسير.

لذا، لا بد للأزواج من الانصياع إلى الأمر الرباني بالعدل بين الزوجات، واستحضار العقول ووضع القلوب جانباً، وتحمل المسؤوليات كاملة للأسرتين. ولا يستقيم أن يأخذ الرجل من الدين ما هو تبعاً لهواه، مستهتراً بالباقي منه. كذلك كفرانه للعشرة الطويلة مع الزوجة الأولى التي تحملت معه تقلبات الحياة بحلوها ومرها. ومن المؤسف القول إن بعض الرجال لا يحرصون على الشعائر التعبدية بقدر حرصهم على التعدد، ويتعامل في مسألة التعدد مثل طفل حصل على لعبة يرفض تركها.

في مجتمعاتنا المسلمة، تُربى الأسر بناتها على فكرة انتظار العريس الذي سيقوم بكل مسؤولياتها، وتظل معتمدة عليه في كل شؤون حياتها. وهي فكرة خاطئة في تربية الفتيات، ولا تواكب العصر الذي نعيش فيه أولاً، ولا تُعتبر واقعية بالنظر إلى تجارب الغير وإلى تقلبات الحياة وما يحدث فيها من مستجدات. إذ لا بد للأسر من الحرص على تعليم الفتيات وتأهيلهن قبل الإقدام على تزويجهن، لأن فكرة الاعتماد على الزوج في كل شيء تجعل الزوجة في مهب الريح وغير قادرة على مواجهة الحياة بمفردها في حال تعثر الزواج، مما يجعلها عرضة للانكسار.

أعلم أني بكتابة هذا المقال قد وضعت يدي على جرح ينزف في نفوس النساء اللائي يظللن خائفات من إقدام الزوج على التعدد، لعلمهن بطبيعة آدم التي يرفضن الاعتراف بها، وظللن ينكرنها على مدى العصور. ولكن إلى متى؟ وأنا أدعوهن من خلال هذا المقال إلى تقبل التعدد، وأعلم أنه أمر قاسٍ ومؤذٍ لطبيعة حواء العاطفية، ولكن في ذات الوقت، التعدد يجب أن نتقبله لأنه يحافظ على مجتمعاتنا من الانحراف وانتشار الرذيلة والموبقات، ويحفظ أنساب الأسر، وهي في اعتقادي غايات أسمى وأجل. كما أن التعدد أمر واقع شئنا أم أبينا.

لذا فإن:
من العقل ومن الدين تقبُّله.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.