دورة
اعلان ماس فيتالس

حكاية الصمود والعودة: (كنا الأسرة الوحيدة … وعدنا لنفتح باب الأمل)

معتز محمد

صحفي سوداني

الغد السوداني_أم درمان

في الركن الغربي من حي النخيل بأم درمان، حيث كانت المنازل تنام على وقع الرصاص وتصحو على فزع الانفجارات، بقيت نافذة واحدة مشرعة على الحياة.

خلفها، أسرة سودانية قررت أن تظل في مكانها رغم الزحف، وأن تواجه الحرب بجدران بيتها وإيمانها.

كانت قوات الدعم السريع قد فرضت سيطرتها على الحي منذ الشهور الأولى للحرب، فغادر السكان واحداً تلو الآخر، بقيت الخرائط خاوية إلا من أسماء الأحياء، وحدها أسرة الأستاذ “أحمد حسن علي الكناني” رفضت أن تنزع جذورها، أو تترك بيتها فريسة للنهب والانهيار.

في جلسة ميدانية مطوّلة مع صحيفة الغد السوداني، روى “الكناني” فصول المحنة والعودة، بكلمات يفيض منها الصدق والإصرار.

قال مبتدئاً حديثه:

قرار البقاء ما كان ساهل، لكن ما قدرنا نخلّي بيتنا … إحنا أمدرمانيين، والحي دا وجدان لينا، ما بس عنوان.

ويضيف:

قعدنا في البيت طوال فترة سيطرة الدعم السريع، بنعيش على القليل، بنخزن أغراضنا، ونحاول نعيش في عزلة شبه تامة، ما كان حوالينا جيران، ودا ساعد شوية في التمويه، لكن الخطر كان دايماً حاضر.

وتحدثت زوجته عن لحظات الاقتحام ومحاولات التخويف:

قفزوا فوق الأسوار، أطلقوا النار قرب الشبابيك، دخلوا مرات بحجة التحري، لكن كان الهدف إننا نخاف ونطلع، لكن ما تركنا، لأنو وجودنا بيحمي البيت وبيقاوم اليأس، كنا أسرة ضد الفراغ.

أما ابنه “أحمد”، فقال بنبرة ثابتة:

الخطر كان دايمًا موجود، لكن ما اتحوّل يوم لرغبة في الرحيل، الإيمان كان حصننا، ما كنا دايرين نعيش لحظة الندم بعد الفِكاك، فظللنا قاعدين، لحد ما ربنا يفرّج.

حين حرّر الجيش الحي بعد معارك ضارية، لم يكن يتوقع وجود أسر داخله.

يروي الكناني:

اتفاجأوا بينا …كانوا مفكرين الحي خلا بالكامل، أول خطوة عملوها أجلونا بأمان، وبقوا على تواصل لحد ما استلمنا بيتنا تاني بعد التأمين – فشكراً لقوات الشعب المسلحة.

لكنه يؤكد أن المغادرة لم تكن سهلة:

كان مؤلم شديد، لحظة الخروج وجعتنا أكتر من أي رصاصة، البيت دا كل زاوية فيهو فيها ذكرى، مرقنا مجبرين، لكن بنظرة وداع قصيرة، ووعد داخلي بالرجوع.

يتوقف لوهلة، ثم يواصل متأثراً:

رجعنا، قبلنا تراب البيت، مشينا فيه شبر شبر، وكأننا بنقول ليهو (سامحنا غصبا عنا). إحساس العودة دا ما بيتكتب بيتحس.

ويضيف “أحمد” الابن:

العودة كانت بداية جديدة، ما نهاية. الحياة هنا صعبة مافي كهربا، لا موية، لا سوق، لا مواصلات، في الأول كنا لوحدنا، لكن الحمد لله بدت أسر تانية ترجع حالياً.

وعن الدعم الرسمي، تقول زوجته:

ما في دعم مباشر، لكن في وعود بدعوة المنظمات؛ اللجنة الشعبية في الحي شغالة بجهد كبير، في التأمين والتنظيم، ونشكرهم من قلوبنا.

وحين سألناه عن رسالته لسكان حي النخيل، لم يتردد “الكناني”:

تعالوا، بس تعالوا … رتبوا بيوتكم، وجودكم هو البداية، الحياة ما بترجع بالخدمات، الخدمات بترجع بالحياة، البلد دي بلدنا، والحي دا اسمو النخيل، والنخلة ما بتموت، حتى لو تقطعت منها الموية.

وختم الأستاذ “الكناني” حديثه بنبرة هادئة ولكن مفعمة بالقوة:

نحن بقينا أقوى، الحرب علمتنا كتير، عشنا حاجات ما كنا بنتخيلها، واتعرفنا على أنفسنا، وعلى معدن الناس، والحصل دا لازم يكون درس لينا جميعاً نصلّح، نرجع، ونبني على الجديد.

وفي ختام اللقاء، عبّر الأستاذ “أحمد الكناني” وأسرته عن امتنانهم لاهتمام الإعلام بقصص الناس:

نشكر صحيفة الغد السوداني على وقفتها مع صوت المواطن، وعلى الزيارة دي، ونخص بالشكر الأستاذ الصحفي “معتز محمد” على جهده، وتغطيته الصادقة من قلب الميدان.

ثم ختم بابتسامة فيها الكثير من الأمل:

النخيل حترجع، والسودان حيرجع … وأفضل كمان، بإذن الله.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.