“كايرو جلابية”.. “تلبس، تلبس”

الجميل الفاضل

 

في إطار إعلان النوايا على الأقل، أتصور أن مؤتمر القاهرة لو لم يفعل سوى قبول هذه الأشتات المتباينة، والاجتماع بلا مواربة تحت شعاره الصريح “معًا من أجل وقف الحرب”، فقد أفلح. وإن كان الخروج برؤية سياسية مشتركة أو موحدة حول كيفية وقف هذه الحرب، وبأي طريقة، وعلى أي شاكلة، ونتيجة، يظل حتى الآن، حلمًا بعيد المنال.

الأهم فإن من أبرز وأهم آثار مؤتمر القاهرة أنه قد أنتج فرزًا جديدًا سيترتب عليه واقع مرحلي وتكتيكي مختلف. فرفض كل الفصائل المسلحة المصطفة إلى جانب الجيش التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر موقف يعكس هواجس من تورطوا في الحرب، على مآلات أوضاعهم بعد انتهاء تلك الحرب، التي سيتحملون لا محالة جانبًا من أوزارها، وتبعات ما سيتبعها، من مساءلات، وحساب، بل وربما عقاب.

كما أن إبعاد أو ابتعاد الأطراف القصية يمينًا ويسارًا ربما يشير لعدم تقبل العقول المؤدلجة عمومًا لحلول مرنة تقبل مبدأ التنازلات المتبادلة، التي تمهد السبيل بمنطق “فن الممكن” لتحول مدني ديمقراطي، ينحو في النهاية بعيدًا عن قناعاتها الصمدية التي لا تقبل التزحزح.

على أية حال، فإن مؤتمر القاهرة واحد من حزم جهود دولية وإقليمية تجري الآن بتنسيق لا يخفي، حزمٌ صممت بعناية لإنهاء صداع الحرب، ومن هنا تنبع أهمية هذا المؤتمر الذي أتصور أنه قد نجح في كسر جمود التواصل بين مجموعات ظلت متباينة المواقف والمصالح والأهداف منذ نجاح الثورة في عزل المخلوع البشير إلى يومنا هذا الذي أفلحت فيه القاهرة في جر هذه المجموعات ذاتها رغم أنفها للجلوس على طاولة واحدة، في حالة نادرة عبرت عن مدى عمق وانتشار ظاهرة الانفجار والتشظي الحزبي في السودان، هذه الظاهرة التي أنتجت فقاقيع من شأنها أن تخضع للتلاشي طال بها الزمن أو قصر، وفق قانون طبيعي يضمن البقاء للأصلح والأقوى الذي يمتلك أشرعة تحمله وتضمن له وجودًا في المستقبل.

ومن الطبيعي أن القوى السياسية المختلفة على علّاتها الراهنة، لا تملك في حالة الحرب سوى أن تختار أين تقف. في الجانب الصحيح من التاريخ برفض حالة الحرب وهذا أضعف الإيمان بالطبع، أو أن تقف في موقع تاريخي خطأ، من حيث إنها لا تملك أدواته، ولا تتحكم في مساراته، ولا تقدر على سداد فواتيره ومتأخراته، وكل ما يترتب عليه بالضرورة مستقبلاً، وهو بكل تأكيد الموقف الخاطئ، الداعم للحرب، أو لأي من طرفيها مهما كانت الذرائع والمبررات.