
قضايا التمثيل وشكاوي الاطراف الخارجية والداخلية حولها
المقال الخامس: لجان المقاومة ورحلة الاشواق طويلة
بقلم:محمد الطاهر احمد النور
التساؤلات حول هياكل اللجان التنظيمية وعملية التمثيل الأفقي وما شابهها من استفهامات ظلت وتظل دائرة في رأس كل عضوية اللجان وكل متابع لحركة اللجان التنظيمية وجميع من يسعى للتنسيق او التواصل مع مجموعات اللجان ، للاجابة على أسئلة كهذه مع استحالة إيجاد أسئلة قطعية يجب بالضرورة الحديث عن طبيعة هياكل اللجان وعملها والسعي لفهمه اولا .
يجدر الاشارة لأن المدخل الصحيح يبدأ من التعامل مع اللجان على اساس انها مجموعات تحمل أهدافا قومية مشتركة وتنسق فيما بينها لتحقيقها مع احتفاظ كل مجموعة من المجموعات بأهدافها المحلية الخاصة بمنطقة تواجدها ، مستويات اللجان تبدأ من الحي مرورا بالوحدة الإدارية والمحلية ثم الولاية عليه يمكن القول أن كل المحاولات التي سعت لجعل اللجان تنظيما رأسيا واحد بتسلسل قيادة معروف باءت بالفشل وستبوء القادمة لأن أساس العمل بين اللجان هو التنسيق وليس الذوبان في تنظيم واحد .
لا يمكن القول أن لجان المقاومة هي أحزاب سياسية ولا يمكن أن توضع في قالب المنظمات الطوعية لكن يمكن توصيفها بأنها مجتمعات محلية لديها مصالح مشتركة ومجموعة من الأهداف السياسية فاللجان لم تنفصل عن المجتمع المحلي وتوزيعها المستند على أساس جغرافي يخدم هذا التعريف ، لذلك كان خيار القيادة الافقية مقبولا لضرورة تمثيل جميع مطالب وقضايا هذه المجتمعات المحلية دون مفاضلة بينها .
يخدم هذا التوصيف أيضا التغيرات العديدة التي طرأت على اللجان وتكييفها مع مطلوبات الواقع المحلي كتجربة الخدمات والتغيير وتجربة غرف الطوارئ التي نشأت استجابة لواقع الحرب الإنساني ،جاءت الحرب حيث وجدت اللجان نفسها فيها في ضرورة تبني العمل الانساني فلا اولوية على حياة المواطن وقوته وتلك تجربة ثرة تمثلت في انشاء غرف الطوارئ والمبادرات الإنسانية وارى ضرورة ايضا في السعي لتوثيق هذه التجربة ولا أراها بعيدة عن أشكال التطور التنظيمي للجان ، من هذا الواقع أرى أن محاولات البعض لحصر اللجان في هيكل محدد أو شكل تنظيمي ثابت يغض النظر عن القضايا المشتركة سيفقد اللجان قدرتها على التكيف مع الواقع ومتغيراته ويحجم دورها .
لا يمكن مثلا للقيادة الرأسية أن تتبنى جميع القضايا او تعبر عن جميعها حتى وإن سعت لذلك وإن ركنت لتقديم قضية على الاخرى فلا يجوز لها ذلك وفقا لعدم استعداد المجتمعات المحلية للتنازل عن قضاياها أو تأخيرها ، لكن مع ذلك فقد كانت تجربة المواثيق السياسية هي محاولة لبلورة القضايا القومية والمواقف منها في مسودة موحدة والتعبير عنها بشكل مشترك .
وجدت نفسي داعما لعملية إنتاج المواثيق السياسية لأنها تحقق غرض المواقف القومية المشتركة والتمثيل القومي المشترك مما يسهل من عملية التواصل مع الفاعلين الآخرين داخليا وخارجيا ، بما أن عملية إنتاج الميثاق المشترك توقفت في خلافات الدمج يمكن اعتبار مجموعة المواثيق المنجزة بمثابة معبر مشترك عن اللجان المنتجة لها ، بناء على ذلك نستطيع القول أنه يوجد الآن ثلاثة مجموعات من اللجان هي الموقعة على ميثاق تأسيس سلطة الشعب و الموقعة على الميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب ومجموعة اللجان التي لا يوجد بينها ميثاق مشترك وغير موقعة على أي من الميثاقين .
وفقا لما سبق أرى أنه من غير الضروري اشتراط عملية بناء تنظيمي بشكل محدد للتواصل مع اللجان وفقا لما يرد كثيرا من شكاوى عدم القدرة على التواصل التي تقدمها القوى السياسية والمجتمع الدولي متحججة بغياب هيكل موحد ، فمن حيث المواقف السياسية العامة عبرت عنها لجان المقاومة في شعاراتها ومن حيث التفصيل وهياكل التمثيل جاوبت اللجان على هذه القضايا عبر المواثيق ، وكطبيعة أي ثائر أجد نفسي راغبا في ميثاق موحد يجمع جميع اللجان تحت مظلته لكن بغيابه لا أرى عذرا لاختطاف صوت اللجان بحجة عدم توحدها فالتعامل والتواصل الآن يمكن أن يتم مع كل مجموعة على حدا ما دامت تحقق شرط انها تجسد حراكا سياسيا وتعبر عن رؤى مشتركة .
بالعودة لقضايا الخلاف التي ناقشتها في المقالات السابقة يمكنني القول أن جميع المجموعات لا تحمل اختلافا كبير في الرؤى رغم تعدد المواثيق المكتوبة ولكن بما أنها حتى الآن لم تقل أنها شكلت هيكل واحد لهذه الرؤى فلا خيار للاطراف الاخرى ( قوى سياسية /مجتمع دولي ) سوى التعامل وفق المجموعات دون السعي لفرض شكل تنظيمي محدد لم تختاره اللجان .
ختاما يمكنني القول بأن مجموعات لجان المقاومة تبني تنظيماتها وهياكلها بناء على القضايا المشتركة وتفضل التنسيق والعمل المشترك بهياكل مؤقتة للغرض المطلوب عن الذوبان في تنظيم واحد ووقوفي مع هذا الخيار منطلق من رغبة في الحفاظ على مرونة اللجان في تحقيق تحولاتها التنظيمية المطلوبة لمجابهة أي تغيير في الواقع بالسرعة اللازمة عليه يمكن القول بأنه على الفاعلين الآخرين التنسيق مع اللجان بناء على القضايا المطروحة والهياكل التي تطرحها اللجان لكل قضية سواء سياسية او انسانية او خدمية فهو الطريق الوحيد لإحداث تنسيق مثالي مع الحفاظ على استمرارية اللجان كخط دفاع ما زال مستمر عن الحراك المُطالب بالديمقراطية .
ولا يسعني هنا سوى أن أشير الى أن كل ما ورد هو آراء تعبر عن الكاتب لا عن شخص أو مجموعة أخرى سعيت لتضمينها هنا ولكتابتها رغبة في توسيع النقاش حول لجان المقاومة وفتح مساحة للكتابة حول هذه التنظيمات علَنا نصل مجتمعين لدراسة متكاملة حول التجربة تمهد مستقبلا لتحليل مثالي لظاهرة لجان المقاومة ومتطلباتها وخيارات المحافظة عليها وتطويرها وصولا للسودان الذي ننشد فحقا رحلة الاشواق طويلة .