صراع الشرعية في السودان.. هل يمهد لانقسام جغرافي دائم؟

الخرطوم، الغد السوداني – في خطوة تعكس تعقيدات المشهد السياسي السوداني، تم التوقيع في نيروبي على الميثاق التأسيسي لحكومة الوحدة والسلام، من قبل أكثر من 20 كيانًا سياسيًا وفصيلًا مسلحًا، بما في ذلك قوات الدعم السريع. يأتي ذلك في ظل تصاعد الانقسامات المجتمعية والصراع المستمر بين الجيش والدعم السريع، مما يضيف بعدًا جديدًا للأزمة السياسية. الوثيقة التي تم توقيعها تسعى لتشكيل حكومة انتقالية تُنهي الحرب، تحقق السلام الشامل، وتحمي المدنيين، بينما تروج لدولة علمانية ديمقراطية وتسعى لإزالة شرعية الحكومة المدعومة من الجيش.

صرّح رئيس الجبهة الثورية، الهادي إدريس، في حديث صحفي، بأن قوات الدعم السريع وقّعت ميثاقًا مع جماعات سياسية ومسلحة متحالفة معها مساء السبت، لتشكيل “حكومة سلام ووحدة” في الأراضي التي تسيطر عليها. وأضاف إدريس أن تشكيل الحكومة سيتم الإعلان عنه من داخل البلاد خلال الأيام المقبلة، مشيرًا إلى تلقيهم ضمانات من دول – رفض ذكر أسمائها – ستعترف بالحكومة الجديدة، مؤكّدًا أنها ستنال تأييد الشعب السوداني إذا نجحت في وقف الانتهاكات وتقديم الخدمات الأساسية، مثل التعليم وإصدار وثائق الهوية.

 

  • أبعاد ودوافع

يسعى الدعم السريع لتعزيز شرعيته مستغلًا نفوذه الميداني لفرض أمر واقع يُجبر العالم على الاعتراف به. تشكيل الحكومة يشكّل ضغطًا على الجيش ويهدف إلى استقطاب معارضيه، وسط صراع محتدم للسيطرة.

 

يرى المحلل السياسي مصطفى سري، أن إعلان تشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع يعكس قناعة هذه القوى بقدرتها على تغيير المشهد السوداني، مستندةً إلى نفوذ واسع وقاعدة اجتماعية كبيرة. ويؤكد أن الدعم السريع وحلفاءه يسيطرون على نحو 50% من السودان، بما في ذلك معظم دارفور وأجزاء من كردفان والنيلين الأزرق والأبيض، مما يمنح الحكومة المرتقبة ثقلاً سياسيًا وجغرافيًا كبيرًا.

 

في السياق ذاته، يرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن الخطوة تهدف سياسيًا إلى نزع شرعية حكومة بورتسودان وإجهاض محاولاتها لكسب الاعتراف الإقليمي والدولي، لكنها تحمل بُعدًا عسكريًا غير معلن، يتمثل في تمكين القوات المناوئة للجيش السوداني من الحصول على أسلحة متطورة، خاصة في مجالات الطيران والدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى. وبناءً على ذلك، يُتوقع تصاعد حدة الصراع بشكل غير مسبوق.

 

في المقابل، يرى الخبير القانوني عبد الخالق الشايب أن الدعم السريع يسعى لإعادة تشكيل المشهد السوداني مستلهمًا السيناريو الليبي، لكن تعقيدات دارفور تجعل استدامة دعمه غير مضمونة. كما يؤكد أن الشرعية تُبنى على الأمر الواقع، مما يبقي تمثيل حكومة بورتسودان خارجيًا، مستشهدًا بتجارب ليبيا والمعارضة السودانية. ويضيف أن تأثير الدعم السريع مرهون بإقامة حكومة موازية ذات بنية لوجستية قوية، لكن تفوق الجيش، خاصة جويًا، يحدّ من تحركاته.

 

من جانبه، يرى وزير الإعلام السابق فيصل محمد صالح في أن إعلان حكومة موازية يمهد للتقسيم، فبالرغم من تأكيد قادة اجتماع نيروبي على عدم نيتهم إنشاء دولة جديدة، فإن وجود حكومتين في منطقتين جغرافيتين مختلفتين قد يؤدي عمليًا إلى كيانين منفصلين.

 

يؤكد صالح أن الحكومة المقبلة تسعى لتشكيل حاضنة سياسية واسعة، بينما جاءت بعض القوى إلى نيروبي بحثًا عن نفوذ أو لهدم النظام القديم، مستغلة الدعم السريع مرحليًا، في حين تتحالف قوى أخرى ضدها لمعارضة الإسلام السياسي.

 

يشير أبو الجوخ إلى أن انضمام قوات عبد العزيز الحلو يشكّل تحولًا عسكريًا كبيرًا، نظرًا لخبرتها القتالية في الجبال وصمودها منذ الثمانينيات. ومع احتمال تحديث تسليحها، ستتوسع رقعة الحرب جغرافيًا، مما قد يستقطب أطرافًا إقليمية ويزيد الصراع تعقيدًا.

 

  • انعكاسات دولية

إقليمياً، تثير هذه الخطوة مخاوف من تمدد الصراع، مما قد يدفع إلى تدخلات دبلوماسية أو فرض عقوبات. كما قد تعقّد المفاوضات المستقبلية، خاصة إذا حظيت الحكومة الجديدة باعتراف دولي.

 

أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه من إعلان قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية، مشددًا على أن ذلك من شأنه زيادة الانقسام وتعميق الأزمة في السودان.

 

وأكد ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، أن الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه يظل عنصرًا أساسيًا في التوصل إلى حل دائم للنزاع.

 

يرى سري أن السودان قد يواجه سيناريو مشابهًا لما حدث في ليبيا، مشيرًا إلى أن الحكومة المرتقبة تمتلك حدودًا استراتيجية مع دول مؤثرة، مثل ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، مما يمنحها ثقلًا جيوسياسيًا يتجاوز حكومة بورتسودان.

 

يعتبر سري أن القوات الداعمة للحكومة الجديدة تتمتع بخبرة قتالية كبيرة، اكتسبتها من خلال حرب الجنوب ومشاركتها في النزاعات الإقليمية، مما يمنحها أفضلية نسبية في المواجهات، خاصة مع وجود سكان المناطق التي تسيطر عليها ضمن نواة الجيش السوداني. متوقعا تصعيدًا عسكريًا كبيرًا بعد إعلان الحكومة الجديدة من كاودا أو الضعين، مما قد يعيد رسم المشهد السوداني بشكل جذري.

 

يرى سري أن المناطق الحدودية ستشهد استقطابات عرقية وتضارب مصالح يخل بتوازن القوى، خاصة مع ثرواتها وارتباطها التجاري. ورغم عدم خوض سكانها الحرب مباشرة، إلا أن تاريخ التعايش والنزاعات يعمّق التوترات، مما يعقّد المشهد.

 

  • الموقف الدولي

وعلى الصعيد الدولي، لفت الشايب إلى أن الموقف الرسمي للدول الكبرى لن يتسامح مع الانتهاكات المُرتبطة بقوات الدعم السريع، خاصةً في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على قادتها. كما أشار إلى مخاوف دولية من تفاقم الأوضاع الإنسانية والأمنية في المنطقة، ما قد يدفع بعض الأطراف إلى تقديم دعم مالي خفيّ لاحتواء تبعات تدفق الأسلحة والهجرة غير النظامية، دون تغيير جذري في الموقف السياسي المُعلن.

 

وفقاً لسري، ستشهد الفترة المقبلة استقطاباً إقليمياً مشابهًا لما حدث في ليبيا، لكن مع اختلافات في دعم دول أفريقية للحكومة الجديدة، بينما ستساند بعض الدول العربية حكومة بورتسودان. كما يتوقع سري تضارب مصالح بين هذه الدول، في ظل تغيّر التحالفات الإقليمية بعد التسوية بين تركيا ومصر والإمارات، مما يجعل موقفها غير واضح في المرحلة المقبلة.

 

يرى أبو الجوخ أن الاعتراف بالحكومة الموازية قد يحول السودان لساحة صراع إقليمي، حيث تدعم الأطراف المتنازعة حلفاءها علنًا. المخاوف تمتد إلى تكريس التقسيم وتبادل النفوذ بدلًا من إنهاء الحرب، مما قد يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية ويغير مسارات التفاهمات حول قضايا المنطقة.

 

يؤكد صالح أن مشروعًا سياسيًا جديدًا يلوح في الأفق، يراه البعض خطوة نحو التقسيم، بينما يدعو آخرون إلى دراسته بعمق بعيدًا عن التنميط. ويرجح أن المجتمع الدولي لن يعترف بالحكومة الجديدة كشرعية، لكنه سيتعامل معها كأمر واقع، لأن الوصول إلى كل مناطق السودان يتطلب التعامل مع القوى المسيطرة. ويضيف:”بعد نيروبي، السودان لن يكون كما كان”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.