
عبري السودانية.. حيث يروي “قصر الكاشف” أسطورة البقاء
كتبت – هبة ختمي
في قلب منطقة عبري بشمال السودان، وسط بقايا الزمن وصمت الأحجار، يقف “قصر الكاشف” شاهدًا على تاريخ حقبة حكمت السكوت بقبضة العدل والإدارة الأهلية. رغم اندثار ملامحه تحت وطأة السنين، إلا أن القصر يظل رمزًا لصمود حضاري يجسد تراث الأتراك وتأثيرهم في العمارة والإدارة بالمنطقة.
- عراقة القصر بين الماضي والحاضر
يقع القصر جغرافيًا بين خطي طول 20 و21 شمالًا، ودائرة عرض 30 شرقًا، في حي عبري تبج، الساقية 36 جنوب غرب مسجد عبري تبج. بني عام 1780 خلال الحكم العثماني للسودان، وكان مقرًا للحاكم المحلي “سلمان محمد شلبي خيري”، الملقب بـ”الكاشف”، والذي حكم منطقة السكوت بسلطة مفوضة من الأتراك، مستعينًا بنظام إداري صارم.
يتكون القصر من طابقين، بُنيت جدرانه من الطوب الأحمر، ويعكس نمطه المعماري مزيجًا بين الطراز التركي والسمات النوبية. كان الطابق الأرضي مقر إقامة الحاكم وأبنائه، بينما خُصص العلوي ليكون محكمة تُفصل في قضايا الأهالي، حيث كانت العقوبات تُنفذ بطرق بسيطة تتراوح بين القرص من الأذن أو الضرب على الكفين.
- حصار الدراويش.. اختبار الإرادة
في أواخر القرن التاسع عشر، خلال تمدد الدولة المهدية، فرض الدراويش بقيادة عبد الله التعايشي حصارًا على القصر لمدة ثلاثة أيام، أملًا في إخضاع سكانه عبر العطش لرفضهم تسليم المؤن. لكن أبناء الكاشف، بحنكة ودهاء، حفروا بئرًا داخل إحدى الغرف، وحين امتلأ بالماء، سكبوه على المهاجمين من الشرفات العلوية، مما أدى إلى إحباط خطة الحصار وإجبار الدراويش على الانسحاب.
- من الكاشف إلى العمدة.. حقبة الإنجليز
مع دخول الحكم الإنجليزي، تغير المسمى الإداري من “الكاشف” إلى “العمدة”، واستلم داؤد بن سلمان زمام الأمور، لينقل مقر العمودية لاحقًا إلى منطقة عمارة. ومع مرور الزمن، تعرض القصر للإهمال، وتحول إلى أنقاض أشبه بأطلال دير مهجور، بينما ردمت البئر التي كانت يومًا سلاح الصمود.
- إرث معماري ينتظر الإنقاذ
اليوم، يقف “قصر الكاشف” صامدًا رغم الإهمال، تحيط به رياح التاريخ، وينتظر أن يكون جزءًا من مشروع ترميم يحوله إلى مَعلم سياحي، يوثق تاريخ الإدارة الأهلية وتأثير العثمانيين في السودان.
ماشاءالله تبارك الله ابدعتي