بين الطموح والتحديات: كيف سيغيّر خط السكك الحديدية مستقبل التجارة الأفريقية؟
(تحليل) محمد نور كرم الله – خبير اقتصادي: مشروع خط السكك الحديدية بين مصر، السودان، أريتريا، جيبوتي والصومال – فرصة استراتيجية أم تحدٍ اقتصادي؟
في ظل الأزمات الجيوسياسية التي تهدد استقرار التجارة العالمية عبر البحر الأحمر، ظهر مقترح إنشاء خط سكك حديدية يربط مصر، السودان، أريتريا، جيبوتي والصومال، ليكون بديلاً استراتيجياً للمسار الملاحي التقليدي. يهدف المشروع إلى تعزيز التكامل الاقتصادي بين هذه الدول، وتوفير حل بديل للنقل التجاري، لكنه يواجه تحديات تتطلب استثمارات ضخمة وتعاوناً إقليمياً لضمان نجاحه.
- التداعيات الاقتصادية لتعطل الملاحة في البحر الأحمر
أدت الاضطرابات الأمنية، مثل الحرب في اليمن والتهديدات التي تتعرض لها السفن التجارية “القرصنة”، إلى تغيير مسار حركة الملاحة العالمية نحو رأس الرجاء الصالح، ما أدى إلى:
ارتفاع تكاليف الشحن: زادت تكلفة نقل الطن البحري من الصين إلى أوروبا من 100 دولار إلى أكثر من 400 دولار.
انخفاض إيرادات قناة السويس: تراجعت بنسبة 24% في عام 2024 مقارنة بالعام السابق، ما أثر بشكل مباشر على الاقتصاد المصري.
تراجع قيمة العملات المحلية: الجنيه السوداني فقد جزءاً كبيراً من قيمته، ليصل إلى 2700 مقابل الدولار، متأثراً بالحرب الداخلية وتعطل التجارة عبر باب المندب.
- الفرص الاقتصادية للمشروع
1. تعزيز التجارة الإقليمية
تسهيل نقل السلع الأساسية، مثل المعادن السودانية والماشية من القرن الأفريقي إلى الأسواق العالمية.
تقليل الاعتماد على الممرات البحرية غير المستقرة، ما يضمن تدفق البضائع دون مخاطر جيوسياسية.
2. تحفيز الاستثمار والتنمية
خلق آلاف فرص العمل خلال مراحل البناء والتشغيل.
دعم القطاعات الصناعية والزراعية على طول مسار السكك الحديدية.
3. تحقيق أمن اقتصادي واستراتيجي
تقليل المخاطر التي تهدد التجارة عبر البحر الأحمر.
تعزيز النفوذ المصري في القرن الأفريقي، وتأمين طرق نقل بديلة للسلع الاستراتيجية.
- التحديات التي تواجه المشروع
الحاجة إلى استثمارات ضخمة: يتطلب المشروع تمويلاً بمليارات الدولارات، ما يستدعي مشاركة القطاعين العام والخاص.
عقبات لوجستية وبنية تحتية غير مكتملة في بعض الدول، ما يستوجب تحسين شبكات النقل والمرافق الأساسية.
المخاطر الأمنية في بعض المناطق التي قد تعيق تنفيذ المشروع أو تشغيله بفعالية.
- ماذا نحتاج لنجاح المشروع؟
1. تمويل مستدام: يتطلب المشروع شراكات دولية، سواء عبر صناديق الاستثمار الإقليمية أو القروض الميسرة من المؤسسات المالية الدولية.
2. التنسيق السياسي والإقليمي: نجاح المشروع يعتمد على تعاون الدول المشاركة، ووضع سياسات تجارية موحدة تعزز سهولة نقل البضائع.
3. تطوير البنية التحتية: يجب الاستثمار في محطات السكك الحديدية، أنظمة النقل والمرافق اللوجستية لضمان كفاءة التشغيل.
4. إدارة المخاطر الأمنية: من خلال تعزيز التعاون الأمني بين الدول لضمان حماية مسار السكك الحديدية من أي تهديدات محتملة.
إذا نجح المشروع، فسيُحدث تحولاً استراتيجياً في التجارة الإقليمية، ويقلل من تداعيات الاضطرابات في البحر الأحمر. لكنه يتطلب التزاماً سياسياً، وتمويلاً مستداماً، وإدارة فعالة للتحديات اللوجستية والأمنية لضمان تحقيق أهدافه الاقتصادية والتنموية.