من عمليات الانتقام إلى مخاوف الحرب الأهلية: أزمة الكنابي في السودان
شهدت ولاية الجزيرة وسط السودان في الأيام الأخيرة تصاعدًا مرعبًا في مستوى العنف الذي أودى بحياة مئات الأبرياء في ما يبدو أنه حلقة جديدة في سلسلة المذابح والدمار التي تحيط بالبلاد. كانت الأحداث الأخيرة في مدينة مدني، التي تقع على ضفاف النيل الأزرق، بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي حول ما يحدث في “الكنابي” – تجمعات سكنية نائية تقع على أطراف مدن ولاية الجزيرة، يقطنها عدد كبير من العاملين في مشروع الجزيرة الزراعي. ما يحدث هناك ليس مجرد صراع عسكري تقليدي، بل هو عملية تطهير عرقي ممنهج تقودها أطراف متعددة في الحرب التي تدور رحاها في السودان منذ أكثر من 21 أشهر.
- التطهير العرقي: مأساة جديدة
تتحدث تقارير منظمات حقوقية عن عمليات انتقامية وتصفيات ارتكبتها مجموعات مقاتلة مع الجيش السوداني بعد دخولهم مدينة مدني في السبت الماضي. الشهادات المتطابقة تشير إلى جرائم بشعة ضد الإنسانية تتضمن القتل على أساس الهوية، وإعدام المدنيين في الطرق العامة، فضلاً عن إلقاء أحياء في النهر. الحديث عن هذه الجرائم يصل إلى حد العمليات المنظمة للتطهير العرقي التي لم تشهد البلاد مثيلاً لها في السنوات الأخيرة.
ويصف المرصد السوداني لحقوق الإنسان هذه الأعمال بأنها “جرائم ضد الإنسانية”، متهمة الجيش السوداني بالضلوع في تنفيذ هذه الجرائم، رغم محاولات الجيش إخفاء الحقائق والتقليل من شأن هذه الانتهاكات بوصفها “تجاوزات فردية”. هذا التصريح الأخير من الجيش هو محاولة لتخفيف المسؤولية، بينما الواقع على الأرض يثبت عكس ذلك.
- النيل الأزرق: رمزًا للوحشية
من بين المشاهد الأكثر رعبًا التي رصدها الناشطون على الأرض هو مقطع الفيديو الذي يظهر فيه مقاتلون وهم يذبحون شخصًا في طريق عام. وأيضًا، مشهد آخر يظهر فيه جنود يربطون شابًا بالحبال ثم يلقون به من أعلى جسر حنتوب الرابط بين شرق وغرب مدينة مدني، بينما يطلقون عليه وابلًا من الرصاص. هذه الأعمال التي تخلو من أي إنسانية تكشف عن مدى البشاعة التي وصلت إليها الصراعات في السودان.
- الوضع في “الكنابي”: مأساة إنسانية
مع استمرار القتال، يشهد سكان “الكنابي” وضعًا إنسانيًا مأساويًا. لا سيما بعد مقتل ما لا يقل عن 120 شخصًا حرقًا ورميًا بالرصاص، واحتراق بيوتهم البسيطة المبنية من مواد محلية. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تواجه تلك المناطق أزمة نزوح ضخمة، حيث اضطرت الآلاف من الأسر للفرار من منازلها، هربًا من الموت المحقق.
- خطر الحرب الأهلية: هل نحن أمام نهاية السودان؟
تزداد المخاوف من أن يتحول هذا العنف المتصاعد إلى حرب أهلية طاحنة، لا سيما في ظل الاتهامات المتبادلة بين الجيش والدعم السريع، وغياب أي أفق لحل سياسي للأزمة. هذا العنف، الذي ارتفعت معدلاته ضد المدنيين بنسبة 89%، بحسب تقرير منظمة “أسليد”، يهدد بنقل السودان إلى مرحلة جديدة من التفكك والتقسيم، إذا لم يتدخل المجتمع الدولي بشكل حاسم لوقف هذه المجازر.
في ظل هذه الأوضاع المأساوية، يبقى الأمل الوحيد في محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات والضغط الدولي على الأطراف المتصارعة للتوصل إلى حلول سلمية تضع حدًا لهذا النزيف الدموي.