فيضانات كارثية في الجزيرة أبا: نزوح مئات الأسر ومخاوف من انهيار خزان جبل أولياء
في مشهد كارثي تتوالى فيه الكوارث الطبيعية وتتصاعد فيه المعاناة الإنسانية، اجتاحت الفيضانات ولاية النيل الأبيض في السودان، مدمرة المئات من المنازل وغارقة العديد من الأراضي الزراعية. المدينة التي عاشت هذه المأساة على مدار أشهر، تحاول اليوم النجاة وسط تزايد المخاوف من انهيار وشيك لخزان جبل أولياء، والذي يمكن أن يزيد من تعقيد الوضع.
مئات العائلات في مدينة الجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض فوجئت بارتفاع منسوب مياه النيل الأبيض، مما أدى إلى غمر أحياء واسعة مثل أحياء الإنقاذ الغربي، زغاوة، حمر، وغيرها. المياه غمرت الأحياء السكنية بالكامل، مما جعلها خارج الخدمة، وأجبرت الأهالي على النزوح خوفاً من الغرق. بعض المواطنين لم يتمكنوا من إنقاذ ممتلكاتهم أو أثاثاتهم، في ظل تدفق المياه بشكل مفاجئ.
إن هذا الوضع المأساوي لم يكن مفاجئاً، إذ تعود الأسباب إلى عدة عوامل، أهمها غياب الحلول الهندسية المناسبة لمواجهة فيضان النيل الأبيض. إذ أن ضعف صيانة الجسور الواقية وغياب الدعم الفني للمناطق الحدودية بين النيل الأبيض والأحياء السكنية أدى إلى انهيار هذه المنشآت الحيوية، مما ساهم في غمر هذه المناطق بالكامل.
- التوسع السكني وزيادة الأضرار
التوسع العمراني في الأراضي المنخفضة حول المدينة كان له دور كبير في تفاقم المشكلة. في السابق، كانت هذه الأراضي تعتبر جزءًا من الأراضي الزراعية التي لم تكن مهيأة للاستقرار السكاني بسبب انخفاضها عن مستوى سطح البحر. ومع زيادة السكان وانتشار العشوائيات، أصبحت هذه الأراضي بمثابة مناطق منخفضة وعرضة للغرق.
- تدهور الوضع البيئي والصحي
في خضم هذه الكارثة، أصبح الوضع البيئي في الجزيرة أبا أكثر تدهوراً. انتشار المياه الراكدة في الشوارع والأحياء السكنية يهدد بتفشي الأمراض والأوبئة. حالات الإصابة بالكوليرا بدأت تظهر بشكل متسارع، وهو ما يزيد من الأعباء على المواطنين في ظل نقص في الإمدادات الطبية والمساعدات الإنسانية.
عبد الله إسحاق، الناطق الرسمي لمبادرة “أنا متطوع أنا إنسان” في الجزيرة أبا، أشار في تصريح خاص لـ “الغد السوداني”، إلى أن الوضع البيئي في المنطقة أصبح في مرحلة حرجة، حيث انهارت الردميات التي كانت قد أُقيمت سابقاً لمواجهة ارتفاع المياه. كما أضاف أن المياه وصلت إلى مناطق جديدة، بما في ذلك مدرسة القديمة بنات، مما اضطر العديد من السكان إلى مغادرة منازلهم خوفاً من الغرق.
- خزان جبل أولياء: التحدي الأكبر
لكن الأزمة قد تكون أكثر تعقيداً من مجرد الفيضانات. في ظل هذه الأوضاع، هناك تهديد حقيقي يتمثل في انهيار خزان جبل أولياء الذي يعد من أهم المنشآت الهندسية في المنطقة. الخزان، الذي يستخدم في تنظيم تدفق المياه من النيل الأبيض إلى بقية المناطق، أصبح مهدداً بالتدمير بسبب تصاعد المخاوف من تفشي الفيضانات.
تقول التقارير أن سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة قد أدت إلى فقدان السيطرة على الخزان. في ظل غياب المهندسين والفنيين المتخصصين في تشغيل الخزان، أصبح من المستحيل فتح بواباته لتخفيف الضغط عن المياه المتدفقة، مما يهدد بحدوث كارثة أكبر في المنطقة.
- تدخلات عاجلة ونداءات للمساعدات الدولية
ومع تصاعد الأزمة، بدأت الدعوات تتزايد من قبل المسؤولين المحليين والدوليين من أجل التدخل السريع. هناك حاجة ماسة لفتح بوابات الخزان في أقرب وقت، بالإضافة إلى تقديم الدعم الفني للتخفيف من آثار هذه الكارثة. كما تم مناشدة المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي للتدخل العاجل لتقديم المساعدات الغذائية والطبية للمجتمعات المتضررة.
في تصريحات خاصة لـ “الغد السوداني”، دعا د. عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة، إلى ضرورة التعاون بين الدول المعنية من أجل إدارة موارد المياه بشكل مستدام. وأكد أن صور الأقمار الصناعية أظهرت أن مناسيب المياه في النيل الأبيض بدأت تعود إلى مستوياتها الطبيعية بعد موسم الفيضان.
- خطر مستمر وآمال في الحلول
على الرغم من هذه الجهود، ما زال الوضع في الجزيرة أبا يتطلب استجابة عاجلة، حيث يعيش سكان المدينة في حالة من الخوف والترقب. مئات الأسر تبحث عن مأوى وأمن وسط ظروف حياتية قاسية. ومع استمرار تدفق المياه، بات من الضروري وضع حلول مستدامة لتقليل تأثير هذه الفيضانات في المستقبل.
يعد الوضع في الجزيرة أبا تذكيرًا قاسيًا بتحديات التغيرات المناخية وتأثيراتها على البنية التحتية والمجتمعات المحلية. يتعين على السلطات المحلية والمجتمع الدولي التعاون سويًا لتقديم الحلول العاجلة والمستدامة لإنقاذ الأرواح وحماية الممتلكات.