“خيرك بنجي قلو كب” – حكاية طائر أب سلمان والأساطير النوبية
كتبت – هبة ختمي
“خيرك بنجي قلو كب”… جملة تختزل روح الحياة النوبية وعلاقتها بالطبيعة. عندما يظهر طائر أب سلمان، أو كما يطلق عليه النوبيون “قلو كب”، تملأ نفوس النساء المسنات أملاً وتفاؤلاً. هذا الطائر، الذي يعيش بين نخيل شمال السودان، لا يحمل فقط صفة كونه مستهلكًا للتمر المتساقط بل يكتسب بعدًا أسطورياً جعل منه رمزًا ثقافيًا واجتماعيًا.
بحسب الباحث في التراث النوبي المهندس فيصل المصري، يمثل هذا الطائر جزءاً من حكايات الجدات وأحاديثهن الساحرة. يُقال إن النساء في زمن النبي سليمان عليه السلام ناقشن قضايا تعدد الأزواج وسعين عبر طائر أب سلمان لنقل رسالتهن للنبي. رغم مرور الزمن، بقي الطائر رمزًا للتفاؤل والأمل، حيث تردد النساء عند رؤيته “خيرك بنجي قلو كبو”، بمعنى “تحدث بالخير”.
رمزية الطائر والأسطورة
تُبرز هذه القصة كيف أن الإنسان النوبي كان دائمًا في تواصل مع الطبيعة. كانت أصوات الطائر بمثابة نبوءة، وظهوره لحظة ترقب وتأمل. عبر الأجيال، بقيت هذه الأسطورة جزءاً من التراث الشفهي الذي ينقل حكايات الماضي بلغة مليئة بالرمزية والخيال.
أب سلمان: الرابط بين الإنسان والطبيعة
تظهر العلاقة العميقة بين النوبيين والطبيعة من خلال هذه الأسطورة. فبدلاً من اعتبار عناصر البيئة مجرد موارد، يلهمهم طائر بسيط كأب سلمان لاحترام البيئة والمحافظة عليها. يعكس هذا الموروث حساسية النوبيين تجاه الطبيعة واستثمارهم لها كوسيلة لتفسير الحياة وإعطاء معنى للتفاؤل والتشاؤم.
المرأة النوبية ودورها في نقل التراث
تتجلى المرأة النوبية كحارسة للتراث وناقلة للقصص عبر الأجيال. الجدة أو الأم، المسماة “يويو” في المجتمع النوبي، تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز القيم الثقافية من خلال سرد حكايات مثل أسطورة أب سلمان. هذه السرديات تربط الأجيال الناشئة بتاريخهم وتساعدهم على فهم طبيعة علاقتهم بالبيئة.
لا تمثل أسطورة طائر أب سلمان مجرد حكاية شعبية عابرة، بل هي نافذة على عقلية إنسان عايش الطبيعة وتأثر بها. “خيرك بنجي قلو كب” ليست مجرد جملة، بل رمز للحياة النوبية التي تمزج بين الواقعية والرمزية، بين الماضي والحاضر.