ميثاق الشرف الصحفي بين المهنية والانحياز
بقلم: عبدالله رزق أبوسيمازه
“لا مكان للصحفيين في ميادين السياسة”، هكذا يعلن ميثاق الأخلاقيات لصحيفة ذا نيويورك تايمز بوضوح. وفي نفس السياق، تحض جمعية الصحفيين المحترفين في أمريكا (SPJ) على تجنب أي أنشطة سياسية قد تؤثر على نزاهة الصحفي أو حياده. هذه المبادئ تعد أساسًا لفصل الصحافة عن السياسة، لضمان مصداقية المؤسسات الصحفية واستقلالها.
لكن ميثاق الشرف لنقابة الصحفيين السودانيين، يأخذ منحى مختلفًا. فهو لا يكتفي بإلزام الصحفي بمبادئ الحرية والسلام والعدالة، بل يضيف إليها مهمة الدفاع عن الديمقراطية والحكم الرشيد وحماية النظام الديمقراطي التعددي. هذه البنود، كما يراها البعض، قد تحول النقابة إلى كيان سياسي.
في السياق السوداني، الذي يعاني من استقطاب سياسي شديد، قبل الحرب، وزاد بشكل أكبر بعد الحرب يبرز تساؤل مهم: هل يمكن للصحفي أن يكون محايدًا تمامًا؟ أم أن الحياد ذاته موقف سياسي؟
ميثاق الشرف يضع الصحفيين أمام تحدٍ مزدوج: التزام بالمهنية مع ضرورة الانخراط في القضايا العامة لتشكيل رأي عام واعٍ. على سبيل المثال، تفرض المادة الأولى من الميثاق على الصحفي الالتزام بمبادئ الحرية والسلام والعدالة والدفاع عن الديمقراطية والحكم الرشيد. لكن هذه المبادئ، رغم أهميتها، قد تُفسر كتوجه سياسي قد يضر بمصداقية التغطية الصحفية، خصوصًا عند تناول الأحداث ذات الصلة.
وفي المقابل، نجد أن بعض المؤسسات الصحفية العالمية مثل ذا نيويورك تايمز التزمت تاريخيًا بالحياد، لكنها خرقت هذا التقليد خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، عندما أعلنت صراحة عدم أهلية دونالد ترامب للمنصب. ورغم العداوة التي واجهتها الصحيفة من الرئيس الأمريكي خلال ولايته الأولى، فإن هذا الاستثناء يظل حدثًا نادرًا يؤكد القاعدة: الحياد هو الأصل.
لا يمكن تجاهل أن الصحفي السوداني يعمل في العادة ضمن سياق استثنائي. فغياب الديمقراطية وسيادة أنماط حكم غير رشيدة دفع الحركات الصحفية للتركيز على الحقوق السياسية والمدنية، كما أشار الكاتب محمد علي خوجلي في كتابه المسكوت عنه في إصلاح الخدمة المدنية في السودان. هذا السياق قد يبرر انخراط الصحفيين في قضايا سياسية، لكن دون أن يتحول ذلك إلى انحياز حزبي واضح.
الميثاق يُلزم الصحفي بالدفاع عن النظام الديمقراطي، لكنه يغفل عن توضيح كيفية تحقيق هذا الالتزام دون المساس بالمهنية. وهنا، قد يُستفاد من تجارب عالمية مثل معايير “مو إبراهيم” للحكم الرشيد التي تشمل 70 مؤشرًا تغطي مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتقديم إطار أكثر توازنًا بين المهنية والالتزام الأخلاقي.
إن الصحافة السودانية تواجه تحديات كبيرة في تحقيق هذا التوازن. فالتأكيد على مبادئ الحياد والمهنية لا يعني بالضرورة الابتعاد عن القضايا الوطنية الكبرى، بل يعني تغطيتها بموضوعية بعيدًا عن الانحياز.
في ظل هذه التحديات، يبدو أن الطريق أمام الصحافة السودانية يتطلب وضوحًا أكبر في الفصل بين الالتزامات المهنية والسياسية، لضمان مصداقية الصحافة كركيزة أساسية لدعم السلام و الديمقراطية وبناء مجتمع واعٍ.